أصحاب الفخامة: الرئيسة سوماروغا والرئيس رامافوزا والرئيس شي والرئيس ماكرون والرئيس مون والمستشارة ميركل ورئيس الوزراء موتلي، سعادة السيد الأمين العام، فخامة رئيس جمعية الصحة العالمية، أصحاب السعادة، أيها الزملاء والأصدقاء،
أود أن أستهل كلمتي بتوجيه الشكر إلى جميع ضيوفنا الموقرين على دعمهم اليوم. شكراً لكم على تخصيص الوقت لمخاطبة هذه الجمعية الهامة، وشكراً على جهودكم المبذولة في سبيل الاستجابة لجائحة مرض كوفيد-19 في بلدانكم وخارجها، وشكراً على دعمكم القوي لمنظمة الصحة العالمية في هذا الوقت الحرج.
كما تعلمون، فإن هذه السنة تصادف السنة الدولية لكادر التمريض والقبالة. وكان يُراد بهذه الجمعية أن تكون فرصة للإعراب عن التقدير للعاملين في مجال التمريض والقبالة لما يقدمونه من مساهمات رائعة كل يوم وفي كل بلد.
وعلى الرغم من أن هذه الجائحة سلبتنا تلك الفرصة، إلا أنها أبرزت مدى أهمية دور العاملين في مجالي التمريض والقبالة وسائر العاملين الصحيين.
لقد كان العاملون في مجالي التمريض والقبالة، ولايزالون، في الخطوط الأمامية لمجابهة كوفيد-19، معرِّضين أنفسهم للخطر بكل إقدام. وضحى الكثيرون منهم بالنفس والنفيس في سبيل خدمة الإنسانية.
وقد أصدرت المنظمة في الشهر الماضي أول تقرير عن حالة التمريض في العالم. ويبيّن هذا التقرير أن العالم يعاني من نقص في العاملين في مجال التمريض وهو بحاجة إلى 6 ملايين عامل لكي يتسنى تحقيق التغطية الصحية الشاملة والحفاظ عليها. ولكنه يقدّم أيضاً خارطة طريق لتمكين الحكومات من الاستثمار في التمريض لسدّ تلك الفجوة والمُضي قدماً صوب تحقيق التغطية الصحية الشاملة وتوفير الصحة للجميع.
إن العالم بحاجة اليوم أكثر من أي وقت مضى إلى كوادر التمريض والقِبالة. فتفضّلوا بالانضمام إليّ، أينما كنتم، للوقوف تقديراً وإجلالاً لأبطال الصحة الحقيقيين.
لقد اجتمعنا، نحن دول العالم، من أجل مواجهة هذه الأزمة الصحية التي تشكّل منعطفاً حاسماً في عصرنا. يجمعنا الحزن على الذين فقدناهم؛ ويجمعنا القلق على الذين مازالوا يقاتلون من أجل البقاء على قيد الحياة؛ ويجمعنا التصميم على الانتصار على هذا التهديد المشترك؛ ويجمعنا الأمل في مستقبل أفضل.
لقد واجه العالم العديد من الجوائح في الماضي، ولكن هذه هي أول جائحة يسببها فيروس كورونا. إنه عدوّ لدود يتّسم بمزيج من الخصائص الخطيرة: فهو فيروس فعّال وسريع وفتّاك. ويمكنه أن يتحرك في الظلام وينتشر في صمت تام إذا لم نتوخ الحيطة، ثم ينفجر فجأة إذا لم نكن على أهبة الاستعداد لمواجهته، لينتشر كانتشار النار في الهشيم.
لقد شاهدنا نفس النمط وهو يتكرر في العديد من مدن وبلدان العالم. وعلينا أن نتعامل مع هذا الفيروس بما يستحقه من احترام واهتمام.
ولقد أُبلغت المنظمة حتى الآن عن أكثر من 4 ملايين ونصف حالة إصابة بمرض كوفيد-19 وأكثر من 000 300 حالة وفاة. غير أن هذه الأرقام لا تعكس المدى الحقيقي لهذه الجائحة. فكل خسارة في الأرواح تترك ندبة في جسد العائلات والمجتمعات المحلية والدول. وتمتد الآثار الصحية للجائحة إلى ما هو أبعد بكثير من المرض والوفاة اللذين يسببهما الفيروس نفسه.
فتعطّل النظم الصحية يهدد بتبدّد التقدم المحرز طيلة عقود من الزمن في توقي وفيات الأمهات والأطفال ومكافحة فيروس العوز المناعي البشري، والملاريا، والسل، والأمراض غير السارية، والصحة النفسية، وشلل الأطفال والعديد من المخاطر الصحية الأخرى الأكثر إلحاحاً.
ومع ذلك، فالأمر يتجاوز بكثير مجرد أزمة صحية. فقد فُقدت الأرواح وسُبل العيش أو تعطلت، وفقد مئات الملايين من الأشخاص وظائفهم، وعمّت مشاعر الخوف وعدم اليقين.
كما أن الاقتصاد العالمي يتجه شيئاً فشيئاً نحو التعرّض لأشد حالة انكماش منذ الكساد الكبير.
وقد أبرزت الجائحة أفضل - وأسوأ - جوانب الإنسانية: الثبات والخوف، التضامن والتشكّك، الوفاق والتهمة.
ولقد كشفت هذه العدوى خطوط الصدع وأوجه عدم المساواة ومظاهر الإجحاف والتناقضات التي تميّز عالمنا الحديث. كما أبرزت نقاط القوة ونقاط الضعف لدينا. وكان العلم محل ترحيب هنا وازدراء هناك.
وقد تكاتفت الدول على نحو لم يسبق له مثيل، وتجلّت الانقسامات الجغرافية السياسية في أوضح صورها. وشاهدنا ما يمكننا تحقيقه بفضل التعاون وما يمكن أن يحدث لنا بدونه.
فهذه الجائحة هي بمثابة تذكير بالعلاقات الحميمة والهشّة التي تربط بين الإنسان والكوكب الذي يعيش عليه. وأي جهود لجعل عالمنا أكثر أماناً محكوم عليها بالفشل ما لم يُعالج كل من حلقة الوصل الحاسمة بين الناس ومسبّبات الأمراض والتهديد الوجودي الذي يشكله تغيّر المناخ والذي يجعل أرضنا أقل قابلية للسكن.
وعلى الرغم من كل ما تتمتع به الدول من قوة اقتصادية وعسكرية وتكنولوجية، إلا أننا تعرّضنا للإهانة من ميكروب متناهى الصغر. وإذا كان ثمة درس نتعلّمه من هذا الفيروس فهو التواضع. لقد حان الوقت للتحلي بالتواضع.
فقبل ستة أشهر، لم يكن أحد يتصور أن تشهد معظم المدن الكبرى في العالم كل هذا الهدوء المخيف، وأن تُغلق المتاجر والمطاعم والمدارس وأماكن العمل، وأن تتوقف تماماً حركة السفر على الصعيد العالمي، وأنّ تصبح مجرد المصافحة خطراً يهدد الحياة.
وأصبحت المصطلحات التي كانت ذات يوم حكراً على علماء الأوبئة، مثل "رقم التوالد" و"التباعد الجسدي" و"تتبع المخالطين"، عبارات شائعة اليوم. في أقل من خمسة أشهر، حاصرت الجائحة العالم بأسره.
وجميع البلدان واجهت صعوبات في السيطرة على هذا الفيروس، غنيها وفقيرها، كبيرها وصغيرها. أما البلدان المنخفضة الدخل والدول الجزرية الصغيرة النامية وتلك المنكوبة بالعنف والنزاعات، فهي تعاني الأمرّين في مواجهة هذا الخطر في ظل أصعب الظروف.
فكيف يمكنك أن تمارس التباعد الجسدي إذا كنت تعيش في بيئة تتسم بالاكتظاظ؟
وكيف يمكنك البقاء في المنزل إذا كنت مضطراً للعمل من أجل إطعام عائلتك؟
وكيف يمكنك أن تمارس نظافة اليدين إذا كنت تفتقر إلى المياه النظيفة؟
بعض البلدان لاقت نجاحاً في تلافي انتشار العدوى على نطاق واسع في أوساط المجتمع المحلي، وبعضها أصدر أوامر بالبقاء في المنزل وفرض قيوداً اجتماعية صارمة لوقف انتقال العدوى في أوساط المجتمع المحلي، في حين لايزال البعض الآخر يستعد للأسوأ، بينما على الجانب الآخر ينظر بعضها الآن في كيفية تخفيف القيود التي تسببت في خسائر اجتماعية واقتصادية فادحة.
إنّ منظمة الصحة العالمية تتفهم وتدعم تماماً رغبة البلدان في الوقوف على قدميها من جديد واستئناف العمل. وتحديداً لأننا نرغب في أن يتعافى العالم في أسرع وقت ممكن، فإننا نحث البلدان على المضي بحذر على هذا الطريق.
فالبلدان التي تتحرك بسرعة أكثر من اللازم دون إرساء هيكل أساسي للصحة العمومية قادر على الكشف عن انتقال العدوى ووقفه، تواجه خطراً حقيقياً بعرقلة قدرتها على التعافي.
وتتيح الدراسات المصلية الأولية رسم صورة متّسقة مفادها أنه حتى في أكثر المناطق تضرراً، لا تتجاوز نسبة السكان الذين تكوّنت لديهم أجسام مضادة تنبّئ بالإصابة بالمرض نسبة 20٪، كما أنها تقل عن 10٪ في معظم الأماكن.
وبعبارة أخرى، لاتزال غالبية سكان العالم عرضة للإصابة بهذا الفيروس. ويظل الخطر مرتفعاً ولايزال الطريق أمامنا طويلاً.
وخلال الأشهر القليلة الماضية، اكتسبنا قدراً هائلاً من المعارف بشأن كيفية الوقاية من العدوى وإنقاذ الأرواح. غير أنه ما من إجراء واحد أحدث الأثر المطلوب بحد ذاته. فلا الفحص وحده يكفي، ولا تتبع المخالطين وحده ولا العزل أو الحجر الصحي أو نظافة اليدين أو التباعد الجسدي وحدها.
البلدان التي نجحت هي تلك التي نفّذت جميع هذه الإجراءات معاً. هذا هو النهج الشامل الذي كانت تدعو إليه المنظمة على الدوام.
فلا يوجد حل خارق ولا حل بسيط، كما لا يوجد ترياق سحري، ولا نهج ملائم للجميع. لابد من العمل الجاد، والإخلاص للعلم، والتعلّم والتكيّف مع الظروف خطوة بخطوة، واتخاذ القرارات الصعبة بطبيعة الحال.
ولكن، هناك العديد من المكونات المشتركة التي يجب أن تتضمنها كل استراتيجية وطنية وهي: الاستجابة على نطاق الحكومة ككل والمجتمع المحلي ككل، على نحو يُشرك الأفراد والمجتمعات المحلية ويمكّنهم من الحفاظ على سلامتهم وسلامة غيرهم؛ والالتزام بالكشف عن كل حالة وعزلها وفحصها وتقديم الرعاية لها وتتبع جميع المخالطين وحجرهم، والقدرة على القيام بذلك؛ وإيلاء اهتمام خاص للفئات الضعيفة، مثل الأشخاص الذين يعيشون في دور المسنّين ومخيمات اللاجئين والسجون ومراكز الاحتجاز.
منذ اليوم الأول، وقفت منظمة الصحة العالمية جنباً إلى جنب مع البلدان في أحلك ساعاتها، ودقت ناقوس الخطر مبكراً، ودقته مرارا وتكرارا.
فقد نبهنا البلدان وأصدرنا إرشادات للعاملين الصحيين في غضون 10 أيام وأعلننا طارئة صحية عالمية، وهي مستوى الإنذار الأعلى لدى المنظمة، في 30 كانون الثاني/ يناير. ولم تكن قد سُجلت آنذاك سوى أقل من 100 حالة خارج الصين، دون أي وفيات.
وقدمنا الإرشادات التقنية والمشورة الاستراتيجية استناداً إلى أحدث البيّنات العلمية والخبرات؛ ودعمنا البلدان في جهودها الرامية إلى تكييف وتنفيذ هذه الإرشادات؛ وأرسلنا وسائل التشخيص ومعدات الحماية الشخصية والأكسجين وغيرها من الإمدادات الطبية إلى أكثر من 120 بلداً؛ وقدمنا التدريب لأكثر من 2.6 مليون عامل صحي بما مجموعه 23 لغة؛ وتولينا زمام أنشطة البحث والتطوير من خلال "تجربة التضامن"؛ وطالبنا بإتاحة اللقاحات ووسائل التشخيص والعلاجات الدوائية من خلال مبادرة تسريع إتاحة أدوات مكافحة كوفيد-19 "ACT Accelerator"؛ وحرصنا على إبلاغ الناس وإشراكهم وتمكينهم؛ وتصدّينا للسيل الجارف من المعلومات المضللة، وحاربنا المفاهيم المغلوطة بمعلومات موثوقة؛ وطالبنا المرة تلو الأخرى بالتحلي بالوحدة الوطنية والتضامن العالمي، باعتبارهما السلاحين الأساسيين لهزيمة هذا الفيروس.
لدينا جميعاً دروس نستخلصها من هذه الجائحة. وعلى جميع البلدان والمنظمات أن تنظر بإمعان في طريقة استجابتها للجائحة وأن تتعلم من تجاربها.
إن منظمة الصحة العالمية ملتزمة بالشفافية والمساءلة والتحسين المستمر. فالتغيير بالنسبة إلينا هو العنصر الوحيد الثابت. والواقع أن آليات المساءلة المستقلة القائمة تعمل بالفعل منذ بدء الجائحة.
وقد أصدرت لجنة الخبراء المستقلين الاستشارية في مجال المراقبة اليوم تقريرها الأول عن الجائحة، مشفوعة بعدة توصيات لكل من الأمانة والدول الأعضاء. وبهذه الروح، نرحب بالقرار المقترح المعروض على هذه الجمعية، الذي يدعو إلى عملية تدريجية لإجراء تقييم محايد ومستقل وشامل.
ولكي يكون هذا التقييم شاملاً حقاً، يجب أن يشمل كامل استجابة جميع الجهات الفاعلة بحسن نية. لذلك، سأفتح تقييماً مستقلاً في أقرب وقت مناسب لاستعراض الخبرات المكتسبة والدروس المستفادة، وتقديم توصيات لتحسين التأهب للجوائح والاستجابة لها على الصعيدين الوطني والعالمي.
لكن الأمر الواضح كل الوضوح هو أن العالم يجب ألا يظل كما هو أبداً. ولسنا بحاجة إلى استعراض يخبرنا بأن علينا جميعاً أن نفعل كل ما في وسعنا لضمان أن ما نعيشه اليوم لن يتكرر أبداً مرة أخرى.
وأياً كانت الدروس التي يمكن أن نتعلمها من هذه الجائحة، فإن أكبر فشل هو ألا نتعلم منها شيئاً، وأن نترك العالم يواجه نفس الضعف الذي استقبل به هذه الجائحة. وإذا كان هناك أي مردود إيجابي لهذه الجائحة، فيجب أن يكون عالماً أكثر أمناً وقدرة على الصمود.
وليست هذه رسالة جديدة. فقد أبرزت الاستعراضات التي أجريت بعد وباء المتلازمة التنفسية الحادة الوخيمة (سارس)، وجائحة الأنفلونزا A (H1N1) ووباء الإيبولا في غرب أفريقيا أوجه القصور التي تعتري الأمن الصحي العالمي، وقدمت توصيات عديدة للبلدان لمعالجة تلك الثغرات.
بعض تلك التوصيات تم تنفيذه، والبعض الآخر طواه النسيان.
لقد أدى تفشي السارس إلى تنقيح اللوائح الصحية الدولية في عام 2005. وشهدت جائحة فيروس الأنفلونزا A (H1N1) إنشاء إطار للتأهب لمواجهة الأنفلونزا الجائحة؛ وأدت فاشية مرض فيروس الإيبولا التي اندلعت في عامي 2014 و2015 إلى إنشاء مرفق تمويل الطوارئ الجائحة، وبرنامج المنظمة للطوارئ، ولجنة الخبراء المستقلين الاستشارية في مجال المراقبة.
العالم ليس بحاجة إلى خطة أخرى أو نظام آخر أو آلية أخرى أو لجنة أخرى أو منظمة أخرى. ما يحتاجه العالم هو تعزيز وتنفيذ وتمويل النُظُم والمنظمات القائمة لديه أصلاً - بما في ذلك منظمة الصحة العالمية. والعديد من القادة الذين تكلَّموا اليوم أثاروا هذه القضايا تحديداً: التنفيذ، ودعم المنظمة، والتمويل.
لم يعد بوسع العالم أن يتحمل فقدان الذاكرة القصير الأجل الذي اتسمت به طويلاً استجابته للأمن الصحي. لقد آن الأوان لربط الحلقات المتناثرة للأمن الصحي العالمي معاً في سلسلة مُحكمة غير قابلة للكسر - في إطار شامل للتأهب للأوبئة والجوائح.
فالعالم لا يفتقر إلى الأدوات أو العلوم أو الموارد لجعله أكثر أماناً من الأوبئة، وإنما يفتقر إلى الالتزام الثابت المستمر باستخدام الأدوات والعلم والموارد المتاحة له.
يجب أن يتغير ذلك، ويجب أن يتغير اليوم.
إنني أدعو اليوم جميع البلدان إلى العزم على بذل كل ما في وسعها لضمان ألا تتكرر أبداً جائحة فيروس كورونا لعام 2020. وإنني أهيب بجميع الدول أن تستثمر في توطيد وتنفيذ الأدوات العديدة المتاحة لنا، ولاسيما المعاهدة العالمية التي يرتكز عليها الأمن الصحي العالمي، ألا وهي اللوائح الصحية الدولية (2005).
لكي ننجح، لابد أن نلتزم جميعاً بالملكية والمساءلة على أساس متبادل. وأحد السُبل لتحقيق ذلك، الذي اقترحته المجموعة الأفريقية في العام الماضي، هو نظام الاستعراض الدوري الشامل، الذي توافق فيه البلدان على إجراء استعراض منتظم وشفاف لحالة تأهب كل دولة.
ومنذ انتخابي في هذه الجمعية قبل ثلاث سنوات، أعطيت الأولوية لتحويل المنظمة إلى منظمة رشيقة سريعة الاستجابة، تركز على النتائج والآثار.
وقبل عامين، عرضت على الجمعية ركيزة هذا التحول: برنامج العمل العام الثالث عشر للمنظمة، 2019-2023، واعتمدته الجمعية فعلاً.
وفي صُلب هذه الاستراتيجية تندرج غايات "المليارات الثلاثة" الطموحة: تمتع مليار شخص آخر بمزيد من الصحة والعافية؛ واستفادة مليار شخص آخر من التغطية الصحية الشاملة؛ وحماية مليار شخص آخر من الطوارئ الصحية على نحو أفضل. تلك هي الغايات التي وضع العالم لنفسه هدف تحقيقها بحلول عام 2023، لكي يسير في المسار الصحيح ويبقى على المسار الصحيح المؤدي إلى تحقيق أهداف التنمية المستدامة.
ويقدِّم تقرير المنظمة عن النتائج، الذي صدر اليوم، مشهداً متكاملاً لما أنجزته المنظمة والدول الأعضاء فيها وشركاؤها على مدار العامين الماضيين.
فعلى صعيد صحة السكان، حققنا تقدماً مهماً في تحسين الهواء الذي يتنفسونه والطعام الذي يأكلونه والماء الذي يشربونه والطرقات التي يستخدمونها، والظروف التي يعيشونها ويعملون فيها، وهي العوامل الأكثر أهمية، في الواقع، للارتقاء بصحتهم.
وفيما يتعلق بالتغطية الصحية الشاملة، فقد اجتمع العالم في العام الماضي لاعتماد الإعلان السياسي بشأن التغطية الصحية الشاملة - وهو التزام غير مسبوق بالسعي نحو غاية الصحة للجميع.
ووسّعنا نطاق الحصول على أدوات الوقاية والفحص والعلاج لفيروس العوز المناعي البشري والسل والملاريا والتهاب الكبد C وارتفاع ضغط الدم والسكري والسرطان والكثير من الأمراض غير ذلك.
وللحفاظ على سلامة العالم، أجرت المنظمة تحريات بشأن أكثر من 900 حدث في 141 بلداً، واستجابت لها عند الضرورة.
ويشمل ذلك تنسيق استجابة ضخمة ومعقدة لتفشي فيروس الإيبولا في جمهورية الكونغو الديمقراطية، التي زاد من تعقيدها العنف وتنقل السكان وضعف النظام الصحي.
وتم تدعيم كل هذه الجهود بزيادة التركيز على العلم والدلائل والبيانات.
وفي العام القادم، سوف نطلق أكاديمية منظمة الصحة العالمية لتدريب ملايين آخرين من العاملين الصحيين في جميع أنحاء العالم. وخلال الأسابيع القليلة القادمة، سنطلق مؤسسة منظمة الصحة العالمية بهدف توسيع قاعدة الجهات المانحة للمنظمة.
إنني فخور بكل ما أحرزته المنظمة من تقدم في هذه المجالات وفي الكثير غيرها من المجالات.
ولكن، يظل هناك الكثير مما يتعين القيام به.
فحتى قبل جائحة كوفيد-19، لم يكن العالم على المسار الصحيح لبلوغ أهداف التنمية المستدامة. واليوم تهدد الجائحة بإعادتنا إلى ما هو أبعد من ذلك. فهي تستغل الفجوات القائمة في المساواة بين الجنسين والفقر والجوع وغيرها، وتمعن في تفاقمها.
وقد شهدنا بالفعل تأثير الجائحة على حملات التمنيع والعديد من الخدمات الصحية الأساسية الأخرى. ولكن التحديات التي نواجهها لا يمكن أن تكون مبرراً للتخلي عن الأمل في تحقيق غايات "المليارات الثلاثة" أو أهداف التنمية المستدامة.
بل على العكس من ذلك، يجب أن تكون حافزاً لمضاعفة جهودنا، وللعمل بقوة وإصرار سعياً إلى عالم نريده جميعاً أكثر صحة وأمناً وعدلاً.
وعلى الرغم من أن جائحة كوفيد-19 هي بحق محور اهتمام العالم الآن، يجب ألا نفقد التركيز على استدامة وتسريع المبادرات الأخرى التي أنقذت أرواح الملايين في السنوات الأخيرة - مثل عمل التحالف العالمي من أجل اللقاحات والتمنيع.
فعلى مدى السنوات العشرين الماضية، قدّم التحالف العالمي الدعم للبلدان في تطعيم 760 مليون طفل، ومنع بذلك من وقوع أكثر من 13 مليون وفاة. لقد وضع التحالف العالمي لنفسه هدفاً طموحاً يتمثل في تمنيع 300 مليون طفل آخر بواسطة 18 لقاحاً بحلول عام 2025.
ونحن ندعو المجتمع الدولي إلى دعم عملية تجديد الموارد المقبلة للتحالف العالمي، التي تستضيفها المملكة المتحدة لبريطانيا العظمى وأيرلندا الشمالية، لضمان التمويل الكامل لعمله المنقذ للحياة.
في الأسبوع الماضي، أرسل لي صديقي الدكتور سويت من تايلند رسالة جاء فيها:
"في الواقع، لقد أظهر كوفيد مدى الترابط بين أهداف "المليارات الثلاثة" للمنظمة. فالتغطية الصحية الشاملة تضطلع بأدوار هامة في الاستجابة لجائحة كوفيد في العديد من البلدان. وتمتع السكان بالصحة يعني الحدّ من عدد الوفيات الناجمة عن مرض كوفيد".
ولا يسعنى إلا أن اتفق معه كل الاتفاق.
فجائحة كوفيد-19 ليست مجرد طارئة صحية عالمية، بل هي دليل صارخ على حقيقة أنه لا يوجد أمن صحي دون نظم صحية قادرة على الصمود، أو دون التصدي لمُحددات الصحة الاجتماعية والاقتصادية والتجارية والبيئية.
وتُبرز الجائحة، أكثر من أي وقت مضى، لماذا يجب أن يكون الاستثمار في الصحة محور التنمية. وأكرر: تُبرز هذه الجائحة، أكثر من أي وقت مضى، لماذا يجب أن يكون الاستثمار في الصحة محور التنمية.
نحن نتعلم بشقّ الأنفس أن الصحة ليست ترفاً؛ بل ضرورة. إنها ضرورة.
الصحة ليست مكافأة التنمية، بل هي شرطٌ لازمٌ لتحقيق التنمية. الصحة ليست تكلفة، بل هي استثمار. الصحة سبيل إلى الأمن والرخاء والسلام.
قبل 40 عاماً، اجتمعت دول العالم تحت مظلة منظمة الصحة العالمية لتخليص العالم من الجدري. وأثبتت في تجمعها ذاك أنه عندما تنتصر روح التضامن على الإيديولوجية، يصبح كل شيء ممكناً.
واليوم تشكّل جائحة كوفيد-19 تهديداً مماثلاً - ليس فقط لصحة الإنسان، وإنما للروح البشرية. أمامنا طريق طويل في كفاحنا ضد هذا الفيروس.
لقد شكّلت هذه الجائحة امتحاناً لأواصر الأخوة بين الدول، فعززتها حيناً وزعزعتها حيناً آخر. ولكنها لم تفصم تلك الأواصر.
إن جائحة كوفيد-19 تطرح علينا سؤالين جوهريين: ما هو شكل العالم الذي نصبو إليه؟ وما هو شكل منظمة الصحة العالمية الذي نصبو إليه؟
والإجابة على السؤال الأول تحدد الإجابة على السؤال الثاني.
الآن أكثر من أي وقت مضى، نحن بحاجة إلى عالم أكثر صحة. الآن أكثر من أي وقت مضى، نحن بحاجة إلى عالم أكثر أمناً. الآن أكثر من أي وقت مضى، نحن بحاجة إلى عالم أكثر عدلاً. نحن بحاجة إلى عالم صحي وآمن وعادل. والآن، أكثر من أي وقت مضى، نحن بحاجة إلى منظمة أقوى. ليس هناك طريق آخر إلى الأمام غير أن نتقدم صفاً واحداً معاً.
شكراً لكم. شكراً جزيلاً.