الدكتور تيدروس أدحانوم غيبريسوس
مدير عام منظمة الصحة العالمية


26 أيار/مايو 2018

رئيس الجمعية، الدكتور ديفيد باريرنياتوا، أصحاب السعادة، معالي الوزراء، رؤساء الوفود، السيدات والسادة، الأصدقاء، موظفو المنظمة

أحياناً تبدو التحديات التي يواجهها عالمنا ساحقة.

الفقر. الجوع. عدم المساواة. التلوث. العنف. الحرب. المرض.

ولكننا كدول العالم نوحد جهودنا لأننا اخترنا ألا نُسحق.

لقد اخترنا الأمل. واخترنا مستقبلاً أفضل.

وخلال العام الماضي، زُرت عدداً من مناطق النزاع. لأننا كما تعرفون نقول في مهمتنا أننا نخدم الضعفاء، ولذا يلزم أن نكون معهم. وأثناء تلك الزيارات، رأيت معاناة الأشخاص الذين يدفعون ثمناً باهظاً لقرارات اتخذها أشخاص آخرون. وأينما أذهب، تصلني الرسالة نفسها، وفحواها أن الصحة جسر يؤدي إلى السلام.

فالصحة يمكنها أن تحول حياة الفرد، ويمكنها أيضاً أن تحول حياة الأسر والمجتمعات المحلية والدول.

وأنتم رسمتم خلال هذا الأسبوع مساراً جديداً لمنظمة الصحة العالمية. فقد أعربتم بحزم عما تريدون منا أن نفعله، وعن النتائج التي تتوقعون أن تروها.

وبرنامج العمل العام الذي اعتمدتموه يمنحنا ولاية قوية وبرنامجاً طموحاً لنمضي به قُدماً.

وقد حان الوقت لتنفيذه. وليس لدينا وقت لنضيعه. فخمس سنوات لا تُعد وقتاً طويلاً.

ويجب تقييم كل ما نفعله في ضوء إذا ما كان سيساعدنا على إحراز التقدم صوب الغايات "المليارية الثلاثة".

وأي أمر يساعدنا على تحقيق ذلك سنستثمر فيه ونُعزّزه.

وكما تعرفون، فإن التغطية الصحية الشاملة هي الأساس. والاستثمار في تعزيز النُظم الصحية سيساعد على إضفاء المزيد من العدل والمأمونية والصحة على العالم.

وكما قال الرئيس كاغامي يوم الإثنين، فإن التغطية الصحية الشاملة فرصة وليست عبئاً.

وأود أن أشكر البلدان العديدة التي قطعت خلال هذا الأسبوع التزاماً فعلياً بتعزيز نُظمها الصحية. والمنظمة مستعدة لدعمكم بالمعارف التقنية المتطورة لتحويل تلك الالتزامات إلى حقيقة واقعة.

ونتطلع خلال الأسابيع والأشهر والسنوات القادمة، إلى المشاركة في حوار بشأن السياسات مع كل دولة من الدول الأعضاء من أجل تحديد المجالات التي يمكن فيها مواصلة تحسين النُظم الصحية الجيدة كي تصبح أفضل، وتلك التي يمكن فيها دعم أضعف النُظم وأشدها هشاشة وتعزيزها. وبالطبع، فإنه يتعين علينا العمل مع جميع البلدان. فلا يوجد نظام مثالي في أي بلد من البلدان. ويمكننا رؤية ثغرات في جميع النُظم الصحية تقريباً. ولهذا السبب توجد المنظمة.

وخلال هذ الأسبوع، رأينا الدليل على أن الإصلاحات التي أدخلناها على برنامج الطوارئ كانت ناجحة. فالعمل الذي بدأته سليفتي الدكتورة مارغريت تشان، يؤتي ثماره. شكراً مارغريت تشان (باللغة الصينية).

فقد وضعت لجنة الإشراف الاستشارية المستقلة ختم الموافقة على عملنا الخاص بالطوارئ، وأقرّت بأننا أصبحنا في وضع أفضل يؤهلنا للعمل بمزيد من السرعة وعلى نحو يمكن التنبؤ به. وهذا هو ما أثبتته فاشية الإيبولا الحالية في جمهورية الكونغو الديمقراطية على وجه التحديد.

وأشعر بالفخر إزاء الطريقة التي عملنا بها بسلاسة على مستويات المنظمة الثالثة.

ودعوني أطمئنكم إلى أنني قد قطعت التزاماً شخصياً بضمان بذل قُصارى الجهد لوقف هذه الفاشية في أسرع وقت ممكن. وبالطبع فإن التزام الحكومة والقيادة يكتسي أهمية محورية، وهو محل إعجابنا الشديد.

ولقد قطعنا شوطاً طويلاً ولكن مازال هناك العمل الكثير حتى نجعل العالم أكثر مأمونية.

وأنا أُقدر عملكم باجتهاد خلال هذا الأسبوع للتفاوض حول القرار الخاص باللوائح الصحية الدولية، الذي سيساعد على تحسّن التأهب والاستجابة في مجال الصحة العمومية بتعزيز القدرات الأساسية. ويُعد المجلس العالمي الجديد لرصد التأهب الذي استُهل بالتعاون مع البنك الدولي هذا الأسبوع لبنة أخرى حاسمة الأهمية تضاف إلى جدار الأمن الصحي العالمي.

وأُعرب عن شديد امتناني للدكتور غرو برونتلاند، رئيس وزراء النرويج السابق، والسيد الحاج آس سي، الأمين العام للاتحاد الدولي لجمعيات الصليب الأحمر والهلال الأحمر، لموافقتهما على رئاسة هذه الآلية الجديدة.

وقد قطعتم أيضاً التزامات مهمّة للتغلب على موجة الأمراض التي تُبتلى بها البشرية منذ قرون.

فقد التزمتم بتنفيذ خريطة طريق للحد من الوفيات الناجمة عن الكوليرا بنسبة 90% بحلول عام 2030.

واعتمدتم خطتنا الاستراتيجية الخمسية بشأن الانتقال في مجال شلل الأطفال، من أجل تعزيز النُظم الصحية في البلدان التي قد تتأثر بتراجع حجم المبادرة العالمية لاستئصال شلل الأطفال. وأصدرتم قرارات بشأن السل والأمراض غير السارية ستساعدنا على التحضير للاجتماع الرفيع المستوى للجمعية العامة للأمم المتحدة الذي سيُعقد في أيلول/ سبتمبر، لضمان الاستفادة القصوى من هذه الفرص التاريخية. واعتمدتم خطة العمل العالمية الجديدة بشأن النشاط البدني، التي تُعد ضرورية في حربنا على الأمراض غير السارية.

وقد ساعد الحدث الذي أُقيم في الأسبوع الماضي تحت عنوان "من الأقوال إلى الأفعال" ولاقى نجاحاً كبيراً، وجلسات اليوغا التي أُقيمت بانتظام أثناء اجتماعات اللجان، على إضفاء البهجة على الجمعية وكانا بمثابة إقرار مهم بأننا نمارس ما ندعو إليه.

وقد طلبتم منا وضع خريطة طريق خمسية لإتاحة الأدوية واللقاحات ومعالجة النقص العالمي فيهما، إذ إنه يمثل سبباً رئيسياً في مواجهة الصعوبات المالية. وأنا أتطلع إلى عرض هذه الخريطة عليكم في العام القادم.

ولأول مرة، قطعتم التزاماً بالحد من العبء غير المقبول للوفيات والإعاقة الناجمة عن لدغ الثعابين.

وقررتم اتخاذ إجراء بشأن التكنولوجيات المساعدة وداء القلب الروماتيزمي.

واتفقتم على زيادة تطوير التكنولوجيات الرقمية واستخدامها في سبيل تحسين الصحة والحفاظ على سلامة العالم.

وأنا سعيد أيضاً بأنكم اعتمدتم قراراً يلزمنا باستقبال 50% من المتدربين الداخليين من البلدان النامية، ومنحهم رواتب، بحلول عام 2020. وتُعد هذه خطوة مهمّة لجعل المنظمة أكثر عدالة.

وأود بصفة خاصة أن أشكر مؤسسة "ولكام الاستئمانية"، التي قدمت عرضاً سخياً بدعم 150 متدرباً من البلدان المنخفضة والمتوسطة الدخل خلال السنوات الثلاث القادمة.

السيدات والسادة،

إن برنامج العمل العام يدعونا إلى قياس نجاحنا لا بالمخرجات وإنما بالحصائل - بالأثر القابل للقياس الذي نحدثه حيثما تتعاظم أهميته، أي في البلدان.

وأخيراً، فإن الأشخاص الذين نخدمهم ليسوا الأشخاص ذوي السلطة، بل هم الأشخاص الذين لا سلطة لهم.

الأشخاص في بيكورو، الذين يتطلعون إلينا لحمايتهم من الإيبولا؛

الأمهات في اليمن، اللواتي يتطلعن إلينا لنُبقى أطفالهن على قيد الحياة؛

الأشخاص الذين يواجهون اختياراً يومياً بين المرض والفقر لأنهم غير قادرين على تحمل تكلفة الرعاية الصحية.

ولذا فإن الاختبار الحقيقي لمناقشاتنا التي أجريناها هذا الأسبوع، والذي سيحدد إما أنها ناجحة أو لا تتعدى كونها مزيداً من الكلام، سيتمثل فيما إذا كانت ستؤدي إلى تغيّر حقيقي على أرض الواقع.

وكما قلت يوم الإثنين، هناك ثلاثة مفاتيح للنجاح، وهي:

أولاً، تحول المنظمة. وهذا عمل يخص الأمانة تحديداً، على أن تتولى الدول الأعضاء دعمها؛

وثانياً، الالتزام السياسي. وهذا عمل يخصكم أنتم الدول الأعضاء تحديداً، على أن تتولى الأمانة دعمكم؛

وأود بصفة خاصة أن أشكر أخي مارتن شونغونغ من الاتحاد البرلماني الدولي على شراكته.

فقد وقعنا هذا الأسبوع مذكرة تفاهم جديدة مع الاتحاد البرلماني الدولي من أجل تعزيز دور البرلمانيين في تحقيق التغطية الصحية الشاملة، واتفقنا على عقد اجتماع سنوي للبرلمانيين هنا في جمعية الصحة العالمية. كما يحدونا الأمل في أن يصدر قرار بشأن التغطية الصحية الشاملة في جمعية الاتحاد البرلماني الدولي في آذار/ مارس من العام القادم.

وأما المفتاح الثالث للنجاح فهو الشراكة. وهو عمل يخصنا جميعاً، الأمانة والدول الأعضاء وجميع شركائنا الذين يستطيعون مساعدتنا على إنجاز مهمتنا.

وأحث كل منكم على أن يعود إلى دياره ومعه عزم متجدد على أن يعمل يومياً من أجل صحة شعبه.

ولا تقبلوا بالوضع الراهن. ولا تصدقوا أن بعض المشكلات لا يمكن حلها أبداً. بل اختاروا أن تؤمنوا بأنكم قادرون على إحداث التغيير الحقيقي والمستدام.

فالالتزام المقطوع الذي كنت شاهداً عليه هذا الأسبوع يمنحني أملاً كبيراً وثقة في أننا نستطيع معاً أن نعزّز الصحة وأن نحافظ على سلامة العالم وأن نخدم الضعفاء.

أشكركم.