إنها لمناسبة سعيدة. وإنه لمن دواعي سروري أن أكون هنا معكم لمرة ثالثة خلال ثلاثة أشهر، لأهنئكم بنفسي على دحر فاشية أخرى من فاشيات الإيبولا.

وأتذكر زيارتي الأولى التي قمت بها في أيار/ مايو، والقلق الشديد الذي كنا نشعر به. فهذه الفاشية بدأت في مناطق ريفية معزولة، ولكنها سرعان ما وصلت إلى مبانداكا، المركز الحضري الذي تربطه الأنهار بكينشاسا وبالبلدان المجاورة. فقد كانت المخاطر شديدة.

ولكنكم أثبتم للعالم كيف يمكن دحر هذا المرض الرهيب.

فكيف فعلتم ذلك؟

لقد أمسكت الحكومة بقوة بزمام القيادة وكانت وزارة الصحة سريعة في استجابتها، وفي دعوتها إلى تقديم الدعم حيثما نشأت الحاجة إليه، وفي تعريف الجمهور بمخاطر المرض. ويؤدي هذا النوع من القيادة إلى إنقاذ الأرواح. وأوجه تهنئة خاصة إلى زميلي أولي إيلونغا لحسن قيادته.

لقد بدأتَ التعاون مع المنظمة مبكراً ورحبت بالدعم الذي قدمناه، وسمحت للمنظمة وشركائها بالتحرك بسرعة وكفاءة. وأنا فخور بالمئات من موظفي المنظمة - الذي ينتمي معظمهم إلى هذا الإقليم، الإقليم الأفريقي - الذين عملوا معكم ومع شركائنا عن كثب، في سبيل تقديم استجابة محددة الهدف للصحة العمومية تدعمها منصة لوجيستية وتشغيلية قوية.

وأود بصفة خاصة أن أُقر بمساهمة الجهات المانحة ووكالات الأمم المتحدة والشركاء من المنظمات غير الحكومية داخل البلاد. فقد نُشرت قدرات منظومة الأمم المتحدة على نحو شديد التنسيق والفعّالية. وأود شخصياً أن أُقر بدور الممثل الخاص للأمين العام ومنسق الشؤون الإنسانية التابع للأمم المتحدة اللذين عملا عن كثب مع الحكومة ومع المنظمة لضمان نشر ما أوتيت به بعثة منظمة الأمم المتحدة لتحقيق الاستقرار في جمهورية الكونغو الديمقراطية، ومكتب تنسيق الشؤون الإنسانية، وبرنامج الأغذية العالمي، والمركز الأفريقي لمكافحة الأمراض والوقاية منها، واليونيسيف، من قدرات، بفعّالية شديدة في عمق الميدان.

وفضلاً عن ذلك، فإن الشركاء الدوليين مثل منظمة أطباء بلا حدود، والاتحاد الدولي لجمعيات الصليب الأحمر والهلال الأحمر، والشبكة العالمية للإنذار بحدوث الفاشيات ومواجهتها كان لهم دور حيوي في تقديم الخدمات الأساسية التي ساعدت على القضاء على هذا الوباء.

ولكن ما يُعد أكثر أهمية هو أن هذه الاستجابة كانت خاضعة لقيادة الكونغوليين وتوجيههم بدعم من المجتمع الدولي.

ولقد استخدمتم كل الأدوات المتاحة، والتي اشتملت على الأساليب التقليدية مثل تحري الحالات، وتتبع مخالطي المرضى، وإشراك المجتمع المحلي، وتوفير الرعاية للمرضى، وعلى الأدوات الجديدة أيضاً مثل تطعيم الأشخاص المعرضين لمخاطر العدوى بالفيروس. وينم ذلك عن البصيرة وعن العزم على نشر جميع التدابير الممكنة من أجل كسر سلسلة الانتقال ووضع حد للفاشية.

وعلى الرغم من أن اللقاح لم يرخص بعد، فإن شركة "ميرك" المصنّعة للقاح تبرعت بكميات كبيرة منه بعد التجربة الناجحة التي أُجريت في غينيا، كي تستخدمها المنظمة على الفور بموجب بروتوكول تجريبي. وتمثل هذه الفاشية التي شهدتها جمهورية الكونغو الديمُقراطية المرة الأولى التي استخدمنا فيها اللقاح كركيزة رئيسية في استجابتنا للإيبولا. وقد تحتمت إدارة لوجيستيات سلسلة التبريد الفائق بعناية نظراً إلى وجوب حفظ اللقاح في درجة حرارة تتراوح بين -60 و-80 درجة مئوية حتى قرب استخدامه - وشكل ذلك تحدياً كبيراً في مناطق الغابات المطيرة النائية التي تفتقر إلى الطرق المعبدة والتيار الكهربائي.

ومع ذلك، فقد بدأنا في غضون أسبوعين من الإعلان عن الفاشية، في تطعيم الأشخاص بالتعاون مع شركائنا ووزارتكم. وفي تعبير ملفت عن التضامن الإقليمي والدولي، أرسلت حكومة غينيا أكثر من 30 من الأفراد القائمين على التطعيم الذين كانوا قد شاركوا في التجربة الخاصة بتطعيم الأشخاص المحيطين بالمرضى في ذلك البلد واكتسبوا خبرة مباشرة نادرة في تقديم المساعدة. وقد بلغت نسبة القبول بين أكثر من 3300 شخص من مخالطي المرضى نحو 98%، ما يشير إلى الفهم العميق وإلى قبول اللقاح.

وما يكتسي أهمية بالغة هو أنكم تستعدون بالفعل للفاشية القادمة. وكما قال الوزير في جلساتنا الإعلامية، يجب أن تكونوا مستعدين. وأنا أعلم أنكم بصدد تعزيز نظام الترصد لاكتشاف علامات المرض مبكراً، وبصدد تدريب موظفي المركز الصحي على الوقاية من العدوى ومكافحتها حتى يمكن حمايتهم أثناء علاجهم للمرضى، وبصدد العمل مع المجتمعات المحلية المعرضة للمخاطر حتى يتعرفوا على هذا المرض عندما يظهر بينهم. ومن الأهمية بمكان مواصلة تعزيز نظام الترصد، وإني لأشيد باستمراركم في توخي الحذر بجدية.

وفي الواقع أن الناجين من هذه الفاشية أنفسهم قد حشدوا جهودهم لحماية الآخرين. وقد تأثرت كثيراً عندما زرت إتيبو في حزيران/ يونيو للقاء مجموعة الناجين بقيادة الأب أمبونغا، الذي كان أيضاً من الناجين. فقد كاد هؤلاء أن يفقدوا كل شيء - بما في ذلك أغلى ما يملكه المرء وهو حياته - ومع ذلك فقد كانوا على استعداد لرد الجميل إلى مجتمعهم المحلي، وأمضوا وقتهم في توضيح مخاطر المرض لمجتمعهم المحلي حتى تتسنى حماية الآخرين.

وكل هذا العمل وكل هذه الاستعدادات سيعودان عليكم بالفائدة في فاشية الإيبولا القادمة الذي أقر الوزير إيلونغا بأنها تعد احتمالات حدوثها كبيرة. ولكن هذه الاستعدادات ستعود بالفائدة أيضاً في الاستجابة لأي فاشية. فتهيئة نظام صحي قوى تؤدي إلى فوائد كثيرة.

والآن دعونا نتطلع معاً إلى المستقبل.

إن هذه الاستجابة أثبتت إلى أي مدى يمكن لجمهورية الكونغو الديمُقراطية أن تكون فعّالة في التصدي للفاشيات الكبرى. فدعونا نستغل الزخم الناتج عن هذه الفاشية في دحر سائر الفاشيات التي يواجهها البلد، مثل الكوليرا وشلل الأطفال.

فيجب علينا أن نعمل معاً على تحسين الخدمات الصحية لجميع الكونغوليين.

فالوقاية تتحقق عندما يتوافر نظام صحي قوي لديه القدرة على تطعيم الأطفال ضد الأمراض الفتاكة، وعلى اكتشاف الأمراض في أسرع وقت ممكن قبل أن تتضرر منها المجتمعات المحلية، وعلى حماية العاملين الصحيين من تلك الأمراض، ولديه عدد كاف من الموظفين المدربين القادرين على توفير التدبير العلاجي لطيف من الأمراض.

ولا توجد وصفة سحرية لتحقيق ذلك، بل إن السحر هو الالتزام، والاجتهاد في العمل، والمساءلة، والإصرار الشديد على خدمة الأشد ضعفاً. وقد أثبتم ذلك في تجربة الإيبولا.

فعلينا أن نعمل معاً على تعزيز النُظم والحلول الاستراتيجية بتدعيم الرعاية الصحية الأولية.

إن جمهورية الكونغو الديمقراطية قد بيّنت ما يصبح ممكناً عندما يتوافر لدينا العزم ونصطف حول هذه القضية في مواجهة الأوبئة التي قد تؤدي إلى الدمار.

إخوتي وأخواتي، مرة أخرى، أهنئكم على هذا الإنجاز، وأعيد تأكيد التزام منظمة الصحة العالمية بمصاحبتكم في كل خطوة على الطريق في سعيكم إلى تحسين الصحة من أجل الجميع.