صاحب الفخامة، السيد تاباريه فاسكيز، رئيس أوروغواي،
السادة الوزراء أصحاب المعالي، المديرون الإقليميون المحترمون لمنظمة الصحة العالمية، الضيوف الكرام، السيدات والسادة،
يحدوني الشرف أن أنضم إليكم اليوم في هذا اللقاء المهم للغاية.
وأود أن أتوجه بالشكر للسيد الرئيس فاسكيز على توليه زمام القيادة في مكافحة الأمراض غير السارية. فهو نصيرٌ في الحرب الدائرة ضد هذه الأمراض.
وقبل أن أواصل حديثي، أود أن أعرب عن عميق الحزن والصدمة، لوفاة أخي وزميلي بالأمس، الدكتور محمود فكري، مدير المنظمة الإقليمي لإقليم شرق المتوسط.
إن منظمة الصحة العالمية تستشعر الحزن اليوم، من هنا في مونتيفيديو، وحتى جنيف والقاهرة، وعلى امتداد الإقليم الذي كافح الدكتور فكري فيه على مدى عقود من أجل تحسين صحة الآخرين.
وأتقدم بخالص عزائي، وعزاء المنظمة، لأسرة الدكتور فكري وأحبائه وزملائه، وأنقل لهم حبنا ودعمنا في هذه الأوقات العصيبة للغاية.
وأرجو منكم السماح بأن نقف دقيقة حداداً على صديقنا وأخينا الدكتور فكري.
أصدقائي الأعزاء،
إن الأمراض غير السارية تؤثر علينا جميعاً.
فكلنا نعرف شخصاً ما انتهت حياته قبل الأوان بسبب أمراض القلب أو السرطان.
ولدينا جميعاً آباء وأمهات وأقارب وأصدقاء يتعايشون مع السكري.
وكلنا على صلة بشخص ما مُحيت ذاكرته بسبب مرض ألزهايمر.
وتمثل الأمراض غير السارية 7 من الـ 10 أسباب الرئيسية للوفاة في العالم، وهي مسؤولة عن 70% من مجموع الوفيات في جميع أنحاء العالم.
ومما يدعو للأسى أن الأمراض غير السارية تودي بحياة 15 مليون شخص سنوياً تتراوح أعمارهم بين 30 و70 عاماً.
ولا تحدث الغالبية العظمى من هذه الوفيات المبكرة في الدول الغنية، وإنما تقع في صفوف المواطنين الأشد فقراً في البلدان الأشد فقراً.
وتحرم كل وفاة الأسرة من حبيب لها، كما تحرم الدولة من عامل بها.
وتتجسد مأساة الأمراض غير السارية في أن كثيراً منها تسببه قوى خارج نطاق سيطرتنا – التعرض لدخان المدخنين، والأغذية الرخيصة الغنية بالسكر والملح والدهون المتحولة، والمناطق المبنية التي لا تراعي النشاط البدني.
وباسم حرية التجارة، نسمح للشركات المتعددة الجنسيات بتسويق الوجبات السريعة لأطفالنا.
وباسم التنمية الاقتصادية، نسمح لدوائر صناعة التبغ بتسميم المليارات من الناس.
وباسم الترفيه، نسمح لأطفالنا بقضاء المزيد والمزيد من الوقت أمام شاشات التلفاز والهواتف الذكية، بدلاً من اللعب خارج البيت.
فمتى سنقول يكفي هذا؟
وفي أي مرحلةٍ نتوقف مع أنفسنا ونفعل شيئاً حيال ذلك؟
وأطرح عدة أسئلة على مصنعي هذه المنتجات، فلربما كان بعضهم حاضراً في هذه القاعة اليوم:
"هل تطعمون أطفالكم، عن سابق معرفة، أغذية ومشروبات غير صحية غنية بالملح والسكر والدهون المتحولة، واضعين إياهم بذلك في سن مبكرة على مسار حياة محفوفة بالمخاطر الصحية الشديدة، ومنها السكري والسِمنة والسرطان وأمراض القلب والأوعية الدموية؟"
فإذا كانت الإجابة "لا"، فكيف يستطيع منتجو الأغذية والمشروبات الغازية تسويق منتجاتهم وبيعها لجموع الأطفال حول العالم، ناظرين إليهم باعتبارهم فرصاً للربح، وغاضين النظر عن المعدلات المتفاقمة للسِمنة في مرحلة الطفولة والإصابة المبكرة بالسكري.
وحتى وإن لم يكن هؤلاء أطفالكم الذين من أصلابكم، فمن الواجب عليكم أن تنظروا إليهم كأطفال لكم – فنحن جميعاً جزء من نفس الجنس البشري. وينبغي أن نمد يد العون لمن يحتاج دعمنا، لا أن نحكم عليهم بمستقبل تعتل فيه صحتهم وتقل فرصهم.
وفي هذا المؤتمر الهام، أحثنا جميعاً على أن نتفكر بعمق شديد في هذه الحقائق، وأن نلتزم بحلول تعزز الصحة وتحمي الناس وتقي من الوفاة والمعاناة التي يمكن تفاديها.
إن الأطفال الذين يواجهون كل هذه التحديات هم أطفالنا، وهم مستقبلنا، ويتعين علينا حقاً أن نرعاهم، ونرعى مستقبلنا.
ويجب أن تمسك بزمام هذه الحلول وتتولى قيادتها أرفع مستويات الدولة، وأن تنفذها جميع أذرع الحكومة والمجتمع.
وفي حين تطرح بعض الأمراض غير السارية، من قبيل مرض ألزهايمر، أسئلة علمية معقدة لا تتوافر لدينا إجابات عليها حتى الآن، فإن غالبية هذه الأمراض اعتيادية.
فمَن في هذه القاعة اليوم لا يعرف شخصاً ما عانى بلا داعٍ، أو وافته المنية في سن مبكرة للغاية، بسبب مرض من الأمراض غير السارية؟
ونحن نعرف الإجابات على وجه التحديد، بالنسبة لمعظم الأمراض غير السارية.
وقف تعاطي التبغ.
الحد من مدخول الملح.
استهلاك قدر أقل من السكر.
علاج المزيد من الناس من ضغط الدم المرتفع.
فحص المزيد من النساء للكشف عن سرطان عنق الرحم.
زيادة التغطية بالخدمات لاضطرابات الصحة النفسية الوخيمة.
حماية المزيد من الناس من الدهون المتحولة المنتجة صناعياً.
السيدات والسادة،
توجد بلدان في هذه القاعة المرموقة اليوم برهنت على أن العمل من أجل التغلب على الأمراض غير السارية أمرٌ ممكن.
وثمة قاسمٌ مشتركٌ نرصده لدى هذه البلدان كافة، ألا وهو الالتزام السياسي.
ففي شيلي، تحرز الحكومة نجاحاً في توفير بيئة غذائية أفضل صحياً، حيث يذكر 90% من المواطنين أن قراراتهم بشأن شراء الأغذية تتأثر بوسوم التحذير على واجهة عبوات المنتجات الغنية بالسكريات والأملاح والدهون والسعرات الحرارية.
وفي الحرب التي تشنها المكسيك ضد وباء السِمنة، نجحت الحكومة في الحد من مشتريات المشروبات المحلاة بالسكر بمعدل بلغ نحو 8% في عام 2014 و2015 من خلال زيادة ضرائب البيع المفروضة على تلك المشروبات.
وزادت بيرو مخصص ميزانيتها بمقدار أربعة أمثال خلال السنوات القليلة الماضية لخدمات الصحة النفسية، واستخدمت هذه الموارد على نحو فعال لتحسين الرعاية الصحية النفسية.
ولننظر إلى دولتنا المضيفة، أوروغواي، والتي لطالما ناصرت قضية مكافحة التبغ، وسطرت تاريخ الصحة العمومية في العالم عندما كسبت دعوى الطعن التي رفعتها شركة فيليب موريس اعتراضاً على تنفيذ أوروغواي الفعال والمنقذ للأرواح لاتفاقية منظمة الصحة العالمية الإطارية بشأن مكافحة التبغ.
وإذا أردنا أن نفوز في الحرب الدائرة لمكافحة الوفيات المبكرة الناجمة عن الأمراض غير السارية، فمن الواجب علينا كذلك أن نكسب المعارك في مطابخنا ومتاجرنا ومتاجرنا الكبرى ومطاعمنا ومدارسنا وقاعات انتظارنا.
وفي يد الحكومات زمام القيادة لاتخاذ هذه الإجراءات الجريئة الحاسمة. وتتجلى الشجاعة السياسية أوضح ما تتجلى في تعزيز صحة الناس ومعافاتهم.
وكلنا يعلم أنه لكي نوقف فاشية فيروس مميت، فليس لنا سبيل لذلك بعلاج المصابين بالعدوى فحسب، وإنما يتحتم وقف العدوى عند مصدرها.
ولهذا، فلوضع حد لأوبئة السِمنة والسكري والسرطان وأمراض القلب والربو والاعتلالات النفسية، فليس بوسعنا علاج المرضى فحسب، بل يجب علينا أن نحمي الأصحاء بالتصدي للأسباب الجذرية.
وإلا فإننا نحاول إطفاء نيران الجحيم بخرطوم الحديقة.
ويجب علينا أن نجعل من السهل للناس القيام باختيارات صحية، وأن نجعل من الصعب عليهم القيام باختيارات غير صحية.
ومن الواجب علينا أن نتيح للناس أغذية ميسورة التكلفة خالية من الدهون المتحولة وقليلة محتوى السكر والملح.
ويجب أن نوضح للناس ما يوجد في غذائهم.
وينبغي أن نضع وسوماً على المشروبات الكحولية لبيان الضرر الذي تسببه.
ويتحتم أن نزيل جميع التسميات التجارية من على عبوات التبغ.
ولقد اتفقت دول العالم على أن تتخذ إجراءات لمكافحة الأمراض غير السارية، عن طريق تخفيض الوفيات المبكرة بمقدار الثلث بحلول عام 2030 في إطار أهداف التنمية المستدامة. وتمنحنا هذه الأهداف الولاية السياسية.
بيد أن التقدم المحرز بطيء للغاية، والوقت يداهمنا.
وفي نهاية المطاف، يجب أن تُدمج الاستجابة للأمراض غير السارية في الخطط الصحية الوطنية التي تمنح الأولوية للوقاية وتتجه نحو تحقيق التغطية الصحية الشاملة.
وواجبنا هو ضمان حصول الناس كافةً على مجموعة الخدمات الصحية الكاملة، بدءاً من الخدمات التي تحمي الصحة وتعززها، وصولاً إلى الخدمات التي توفر العلاج وإعادة التأهيل والرعاية الملطفة.
وحينئذٍ فقط نستطيع أن نقول صادقين إننا قد منحنا أطفالنا وأحفادنا المستقبل الذي يستحقونه.
أتمنى لكم جميعاً مؤتمراً ناجحاً، وأتطلع إلى العمل معكم من أجل التغلب على الأمراض غير السارية.
أشكركم جزيل الشكر .. Muchas gracias