صاحب المعالي رئيس جمعية الصحة العالمية الثامنة والسبعين، الوزير تيودورو هيربوسا، المستشارة الاتحادية للاتحاد السويسري، إليزابيث بوم شنايدر، المديرة العامة لمكتب الأمم المتحدة في جنيف، تاتيانا فالوفايا، وأود أيضاً أن أنوه بحضور سلفي المديرة العامة السابقة لمنظمة الصحة العالمية، الدكتورة مارغريت تشان، أصحاب المعالي الوزراء، رؤساء الوفود الموقرون، الزملاء والأصدقاء الأعزاء، "مابوهاي" ومرحباً بكم في جمعية الصحة العالمية الثامنة والسبعين.

كل جمعية صحة عالمية تكون مهمّة، ولكن الجمعية هذا العام لها أهمية خاصة. ففي هذه الجمعية، ستنظر الدول الأعضاء في اتفاق المنظمة بشأن الجوائح الذي نأمل في أن تعتمده. إنها حقاً لحظة تاريخية.

فحتى في خضم الأزمة ورغم المعارضة الكبيرة، عملتم بلا كلل ولم تستسلموا أبداً، وبلغتم هدفكم. وعندما توصلتم أخيراً إلى توافق في الآراء في صباح يوم 16 نيسان/ أبريل، بعد ليلة من المفاوضات المستفيضة – وقد نلت شرف الحضور في القاعة لأشهد على ذلك - انتابنا جميعاً مزيج من المشاعر: مشاعر الفرح والنصر والارتياح والإجهاد. ولكن في تلك الليلة، عندما رأيت التزامكم، تأثرت كثيراً. لقد نجحتم. وإني لأتطلع إلى اعتمادكم للاتفاق، والاحتفال بذلك معكم غداً في الترحيب الرفيع المستوى.

وأتشرّف بأن أقدم إليكم تقريري لعام 2024 - العام الحافل بالتحديات الكبيرة والإنجازات المهمّة. ويُقدِّم تقرير النتائج لعام 2024 سرداً أشمل مما يمكنني أن أقدمه اليوم، وأوصيكم بالاطلاع عليه. ويوضّح ذلك التقرير كيف نستخدم مواردكم لتحقيق نتائج ملموسة. وأثناء انعقاد مثل هذه الجمعية في العام الماضي، وافقت الدول الأعضاء على برنامج العمل العام الرابع عشر 2025-2028، ومهمته الثلاثية المتمثلة في تعزيز الصحة وتوفيرها وحمايتها. فاسمحوا لي، كما أفعل دائماً، أن أختار بعض النقاط البارزة، في كل أولوية من هذه الأولويات الثلاث.

أولاً، مهمتنا الخاصة بتعزيز الصحة والوقاية من الأمراض بمعالجة أسبابها الجذرية في الهواء الذي يتنفسه الناس، والطعام الذي يأكلونه، والمياه التي يشربونها، والطرق التي يستخدمونها، والظروف التي يعيشون ويعملون فيها. وقد مر الآن 20 عاماً على بدء نفاذ اتفاقية المنظمة الإطارية بشأن مكافحة التبغ. وفي هذه المدة، انخفض معدل انتشار التدخين بمقدار الثلث على الصعيد العالمي، وهناك اليوم 300 مليون مدخن أقل مما لو كان معدل الانتشار لم يتغيّر.

وتدعم المنظمة كل عام مزيداً من البلدان في تنفيذ التدابير المسنّدة بالبيّنات لمكافحة التبغ. ففي العام الماضي، اعتمدت كوت ديفوار وجورجيا وجمهورية لاو الديمقراطية الشعبية وعُمان التغليف البسيط؛ وحظرت فييت نام السجائر الإلكترونية ومنتجات التبغ المسخَّن؛ ومن خلال شراكتنا في مبادرة المزارع الخالية من التبغ، ساعدنا أكثر من 9000 مُزارِع تبغ في كينيا وزامبيا على التحوُّل عن زراعة التبغ إلى زراعة الفاصوليا الغنيّة بالحديد.

وبدعم من المنظمة، زاد 15 بلداً الضرائب على المنتجات غير الصحية في العام الماضي، بما في ذلك التبغ والكحول والمشروبات المحلاة بالسكر. واعتُمدت سياسات بشأن أفضل الممارسات للتخلُّص من الأحماض الدهنية المتحوِّلة في خمسة بلدان، وهي: كولومبيا ولبنان وموريشيوس ونيبال وقطر؛ واليوم سوف نُقرّ بالإنجاز نفسه في أربعة بلدان أخرى، وهي: النمسا والنرويج وعُمان وسنغافورة. وأنتم تعرفون التخلص من الأحماض الدهنية المتحوِّلة وأثره على الأمراض القلبية والوعائية. فتهانينا لهذه البلدان. وانضم أربعة وثلاثون بلداً إلى خطة تسريع وتيرة العمل على وقف السمنة. ونشرنا مبادئ توجيهية جديدة بشأن الهزال، وساعدنا على تأمين تمويل متعدّد السنوات لخمسة عشر بلداً مثقلاً بالأعباء، ووصلنا إلى أكثر من تسعة ملايين شخص وأنقذنا أرواح ما يقدر بمليون شخص.

وفي شباط/ فبراير من هذا العام، شاركنا في استضافة المؤتمر الوزاري العالمي بشأن السلامة على الطرق الذي انعقد في المغرب، والذي قطعت فيه البلدان التزامات قوية، وأشكر صاحب الجلالة الملك محمد السادس ودولة رئيس الوزراء عزيز أخنوش على قيادتهما ودعمهما القويين لهذه القضية. وفي آذار/ مارس، شاركنا أيضاً في استضافة المؤتمر العالمي بشأن تلوث الهواء والصحة في كولومبيا، وأشكر أيضاً فخامة الرئيس غوستافو بيترو على دعمه وقيادته القويين بشأن تلك القضية. وأعلم أننا سنحقق تقدماً جيداً إذا نُفِّذت التوصيات.

وتواصل المنظمة دعم البلدان في معالجة أسباب تلوث الهواء والتخفيف من آثاره وبناء نُظم صحية مراعية للمناخ وقادرة على الصمود أمام تغيّر المناخ. وبالتعاون مع تحالف غافي للقاحات واليونيسف، نعمل على دعم إدخال الكهرباء إلى 1000 مرفق صحي باستخدام نُظم الطاقة الشمسية، في إثيوبيا وباكستان وأوغندا وزامبيا. وهناك شيء واحد أود أن أذكركم به، وهو أن تحالف غافي سيجدّد موارده في حزيران/ يونيو في بروكسل، وأحثكم على تقديم دعمكم الكامل.

وفي أوكرانيا، عملنا مع الشركاء على تحسين خدمات المياه والصرف الصحي والنظافة الصحية والنفايات في أكثر من 200 مرفق صحي؛ وقد أنشأنا الآن شراكة رسمية مع الرئاسة السابقة والحالية والمستقبلية لمؤتمر الأطراف في اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغيّر المناخ لضمان بقاء الصحة في صميم المناقشات المستقبلية بشأن المناخ.

وننتقل الآن إلى الركيزة الثانية لمهمتنا، وهي توفير الصحة عن طريق التوسّع في الإتاحة المنصفة والميسورة التكلفة للخدمات الصحية الأساسية. فمن خلال الشراكة الخاصة بالتغطية الصحية الشاملة، قَدَّمنا الدعم إلى 36 بلداً في العام الماضي لإعداد حزم الخدمات تحقيقاً للتغطية الصحية الشاملة بالاستناد إلى الرعاية الصحية الأولية القوية الأساسية، وشمل ذلك ثمانية بلدان تشهد أزمات إنسانية. ودعمت المنظمة 11 بلداً في إجراء تحليلات للصحة وسوق العمل من أجل توجيه الاستراتيجيات الوطنية وخطط الاستثمار. وفي العام الماضي دربنا 000 15 عامل صحي في أكثر من 160 بلداً من أجل تلبية احتياجات الصحة البدنية والنفسية للاجئين والمهاجرين.

وفي كانون الأول/ ديسمبر من العام الماضي، تشرفت أيضاً بالانضمام إلى الرئيس إيمانويل ماكرون في افتتاح أكاديمية منظمة الصحة العالمية في ليون. وسوف تغيّر أكاديمية المنظمة قواعد اللعبة من حيث بناء القدرات في البلدان بتوفير التدريب المستمر مدى الحياة عبر شبكة الإنترنت وبالحضور الشخصي، للعاملين في مجالي الصحة والرعاية وراسمي السياسات والقوى العاملة في المنظمة.

وفي الوقت الذي نعمل فيه على التوسّع في إتاحة الخدمات الصحية، نعمل أيضاً على التوسّع في إتاحة الأدوية والمنتجات الصحية وتعزيز السلطات التنظيمية في جميع أنحاء العالم. وفي العام الماضي، عيّننا 33 جهة تنظيمية بوصفها سلطات مدرجة في قائمة المنظمة، ما سيُعجِّل إلى حد كبير باختبار المنظمة المسبق لصلاحية الأدوية التي وافقت عليها بالفعل إحدى هذه "السلطات التنظيمية المرجعية".

كما اعترفنا بتحقيق مصر والهند ورواندا والسنغال وزمبابوي المستوى 3 من النضج في الإشراف التنظيمي على الأدوية واللقاحات، أو حفاظها عليه؛ وأجرينا الاختبار المسبق لصلاحية 126 دواءً ولقاحاً ووسيلة تشخيص ومنتجاً آخر؛ وأدرجنا لقاحين لجدري القردة وأحد متحوّرات مرض فيروس كورونا (كوفيد-19) في بروتوكول المنظمة للإذن بالاستعمال في حالات الطوارئ؛ وأطلقنا منصّة جديدة تحتوي على معلومات عن أكثر من 2500 نوع من الأجهزة الطبية؛ واخترنا 481 اسماً غير مسجل الملكية لمكونات صيدلانية فعَّالة.

وفي الوقت نفسه، نعمل على حماية الأدوية النفيسة من الزيادة المستمرة لمقاومة مضادات الميكروبات. وأسفر الاجتماع الرفيع المستوى للجمعية العامة للأمم المتحدة بشأن مقاومة مضادات الميكروبات في العام الماضي عن التزام بخفض عدد الوفيات الناجمة عن مقاومة مضادات الميكروبات بنسبة 10٪ بحلول عام 2030. وستساعد الالتزامات المقطوعة في جدة على ترجمة الإعلان السياسي إلى عمل على أرض الواقع، وأشكر الوزير والمملكة العربية السعودية على هذا الاجتماع الناجح.

وهناك الآن أكثر من 170 بلداً لديه خطط عمل وطنية بشأن مقاومة مضادات الميكروبات، ويتزايد عدد البلدان التي تعتمد توصيات المنظمة. ومثال على ذلك أن نيبال قد حظرت استخدام توليفات المضادات الحيوية التي صنفتها المنظمة بوصفها توليفات لا يوصى بها. وفي العام الماضي، وضعنا أيضاً الإرشادات الأولى بشأن إدارة مياه الصرف الصحي والنفايات الصلبة لتصنيع المضادات الحيوية، وحدَّث تحالف دوائر الصناعة من أجل مكافحة مقاومة مضادات الميكروبات معاييره لمواءمتها مع إرشادات المنظمة.

وفيما يتعلق بوفيات الأمهات والأطفال، توقف التقدُّم إلى حد بعيد، بعد التحسّن الكبير الذي شهدته حقبة الأهداف الإنمائية للألفية. ونواصل العمل مع الدول الأعضاء على تحديد العقبات وتزويدها بالأدوات اللازمة للتغلب عليها.

ووضع الآن أكثر من 50 بلداً خططاً لتسريع وتيرة العمل على خفض معدّل وفيات الأمهات والمواليد والوقاية من الإملاص. وفي العام الماضي افتتحت جمهورية تنزانيا المتحدة 30 وحدة جديدة لرعاية المواليد، وتُحرِز غانا وملاوي وباكستان وسيراليون تقدُّماً كذلك.

ولزيادة الإقبال على ممارسات تنظيم الأسرة، وضعنا بروتوكولاً للتقييم السريع للمعوقات يطبقه الآن 27 بلداً. كما نشرنا مبادئ توجيهية جديدة بشأن الإنتان الوليدي والولادة والالتهاب الرئوي وجودة الرعاية. ونواصل دعم البلدان لاستدراك التمنيع الروتيني.

فعندما استُهل البرنامج الموسَّع للتمنيع في عام 1974، لم يكن التمنيع متاحاً إلا لأقل من 5٪ من أطفال العالم. أما اليوم، فقد وصلت هذه النسبة إلى 83٪. وكان البرنامج الموسَّع للتمنيع هو أكبر برنامج أسهم بمفرده في بقاء الرضَّع والأطفال على قيد الحياة على صعيد العالم، حيث منع 154 مليون وفاة، أي 8000 وفاة يومياً في المتوسط لمدة 50 عاماً.

ونواصل دعمنا للبلدان من أجل اعتماد لقاحات جديدة سعياً إلى إنقاذ الأرواح. ومنذ بداية عام 2024، اعتمدت ستة بلدان جديدة لقاحات فيروس الورم الحليمي البشري؛ وتستعد تسعة من أشد البلدان تضرراً في أفريقيا لطرح لقاح التهاب السحايا Men5CV الجديد؛ وقَدَّمنا الدعم لإعطاء أكثر من 27 مليون جرعة من لقاح الملاريا في 20 بلداً في أفريقيا.

وفي الوقت نفسه، نحن نعيش في عصر ذهبي للقضاء على الأمراض. فقد حصلت كابو فيردي ومصر في العام الماضي على الإشهاد على الخلو من الملاريا، وحقّقت جورجيا هذا العام هذا الإنجاز بالفعل. فتهانينا لهذه البلدان.

كما صادقنا على تخلص سبعة بلدان من أمراض مدارية مهملة، وهي: البرازيل وتشاد والهند والأردن وباكستان وتيمور- ليشتي وفييت نام؛ وهذا العام، تأكد حتى الآن القضاء على أمراض مدارية مهملة في غينيا وموريتانيا وبابوا غينيا الجديدة.

وفي العام الماضي، لم يُبلَغ إلا عن 15 حالة إصابة بشرية بداء الدودة الغينية في 12 قرية فقط من قرى تشاد وجنوب السودان. وأود أن أقرّ بالالتزام الشخصي القوي للرئيس الراحل جيمي كارتر بالقضاء على الدودة الغينية. وعلى الرغم من أنه لم يعش للأسف ليرى حلمه يتحقق، فإن الإرث الذي تركه سيستمر من خلال عمل مركز كارتر.

ولقد تحقّقنا من قضاء غينيا على تيتانوس الأمهات والمواليد؛ وأُعيد التحقّق من قضاء البرازيل على الحصبة. ومنذ بداية العام الماضي، صادقنا على القضاء على انتقال فيروس العوز المناعي البشري والزهري من الأم إلى الطفل في بليز وجامايكا وسانت فنسنت وجزر غرينادين – ونهنئهم على ذلك.

وأعدنا التحقّق من قضاء أرمينيا ودومينيكا على انتقال فيروس العوز المناعي البشري من الأم إلى الطفل؛ وتحقّقنا من أن ناميبيا في طريقها إلى القضاء على انتقال فيروس العوز المناعي البشري والتهاب الكبد B من الأم إلى الطفل؛ وتحقّقنا من أن بوتسوانا أصبحت أول بلد يتبوأ مركز "الفئة الذهبية" على مسار القضاء على انتقال فيروس العوز المناعي البشري من الأم إلى الطفل.

وفيما يتعلق بفيروس العوز المناعي البشري، يحصل الآن 77٪ من الأشخاص المصابين بالفيروس في العالم على العلاج، بعد أن كانت نسبتهم 69٪ في عام 2020، وحقق 19 بلداً الغايات 95-95-95 قبل الموعد النهائي المحدّد في عام 2025. وفيما يتعلق بالتهاب الكبد، وصلنا في العام الماضي إلى 38 بلداً من البلدان موضع التركيز بمبادئ توجيهية جديدة مبسّطة لعلاج التهاب الكبد B؛ ودعمنا 10 بلدان في أفريقيا في اعتماد التطعيم ضد التهاب الكبد B عند الولادة؛ وبدعم من المنظمة، استهلت باكستان برنامج رئيس الوزراء للقضاء على التهاب الكبد C، الذي يهدف إلى فحص أكثر من 80 مليون شخص وعلاج نحو 4 ملايين شخص - وهو هدف طموح للغاية.

وفيما يتعلق بالسل، يمكّن عمل المنظمة المزيد من الناس من تلقي العلاج بأدوية أفضل والخضوع للاختبار بوسائل تشخيص أفضل، كما نُقدِّم الدعم من أجل تطوير لقاحات أفضل للسل. وقد استُكمل في وقت قياسي استقدام المشاركين في تجربة محورية من المرحلة 3 للقاح المرشح الرئيسي، وشمل ذلك أكثر من 000 20 متطوع في إندونيسيا وكينيا وملاوي وجنوب أفريقيا وزامبيا. ونحن في انتظار نتائج ما قد يكون أول لقاح فعّال ضد السل نتوصل إليه منذ أكثر من 100 عام.

وفضلاً عن ذلك، وصلت التغطية بعلاج السل الآن ولأول مرة إلى 75٪ على صعيد العالم. وفي العام الماضي، نشرنا مبادئ توجيهية رائدة بشأن مقرّرات علاجية قصيرة المدة وفموية بالكامل وشديدة الفعّالية للأشخاص المصابين بالسل المقاوم للأدوية، وقد اعتُمدت الآن في 109 بلدان.

وفيما يتعلق بالصحة النفسية، دعمنا البلدان في التوسّع في إتاحة خدمات الصحة النفسية لنحو 70 مليون شخص في تسعة بلدان، وتوفير الرعاية لأكثر من مليون شخص. كما قدمنا الأدوية المنقذة للأرواح لصالح 2,1 مليون شخص مصاب باعتلالات نفسية وخيمة في مناطق النزاع بما في ذلك في تشاد وإثيوبيا والسودان. ومع ذلك، توقفت طلبات الأدوية الخاصة بالصحة النفسية بالكامل تقريباً في بعض البلدان بسبب نقص التمويل والأولويات المتنافسة، ليُترك الأشخاص المصابون باعتلالات خطيرة بلا دعم في خضم الأزمات.

ومن خلال شراكتنا الخاصة بسرطان الأطفال مع مستشفى سانت جود لأبحاث الأطفال في الولايات المتحدة الأمريكية، بدأنا في توزيع الأدوية مجاناً في البلدان المنخفضة الدخل. ونستهدف الوصول إلى 000 12 طفل مصاب بالسرطان في 12 بلداً هذا العام.

وفيما يتعلق بسرطان عنق الرحم، يوجد الآن 155 دولة عضواً لديها مبادئ توجيهية وطنية بشأن فحص عنق الرحم، بالاستناد إلى المبادئ التوجيهية للمنظمة. وفيما يتعلق بفرط ضغط الدم، نفَّذ أكثر من 30 بلداً حتى الآن برنامج HEARTS التابع للمنظمة، للوصول إلى أكثر من 12 مليون مريض في 000 165 مرفق من مرافق الرعاية الأولية. وبعد عام واحد فقط من استهلال مبادرة SPECS 2030 التابعة للمنظمة صارت تدعم إتاحة النظارات الميسورة التكلفة في 16 بلداً، بما يشمل الأشخاص في المناطق النائية.

والآن ننتقل إلى الركيزة الثالثة لمهمتنا، وهي مساعدة البلدان على حماية الصحة بالوقاية من الطوارئ الصحية وسرعة الاستجابة لها. ففي عام 2024، نسّقت المنظمة الاستجابة لإحدى وخمسين طارئة مصنّفة في 89 بلداً، من الطوارئ الناجمة عن الفاشيات والكوارث الطبيعية والنزاعات وغيرها. ونشرنا إمدادات طبية متخصّصة تمس الحاجة إليها بلغت قيمتها 196 مليون دولار أمريكي وسلمناها إلى 80 بلداً؛ ونشرنا 89 فريقاً للطوارئ الطبية ودعمنا أكثر من 67 عملية نشر استجابةً للفاشيات، وأكثر من ذلك بكثير. وشكراً جزيلاً على دعمكم للصندوق الاحتياطي للطوارئ. لقد ساعد ذلك بالفعل في تلك التدخلات.

وساعدنا في السيطرة على فاشيات الكوليرا في 27 بلداً من أصل 33 بلداً متضرّراً، ولم يتبق سوى ستة بلدان في مرحلة حادة؛ وبدعم من المنظمة، أوقفت رواندا وجمهورية تنزانيا المتحدة فاشيات مرض فيروس ماربورغ؛ وأوقفت أوغندا تفشي مرض فيروس إيبولا، بما في ذلك عن طريق تجربة اللقاح التي بدأت في غضون أربعة أيام من بدء الفاشية.

وقد أعلنتُ في آب/ أغسطس الماضي، كما تعلمون، أن تفشي جدري القردة في جمهورية الكونغو الديمقراطية وغيرها من البلدان في أفريقيا يُشكِّل طارئة صحية عامة تثير قلقاً دولياً. واستجابةً لذلك، أعطت المنظمة الإذن باستعمال أولى اللقاحات والاختبارات لجدري القردة في حالات الطوارئ، وساعدت على تنسيق التبرّع بستة ملايين جرعة لقاح في 15 بلداً.

وفي الوقت نفسه، كان عام 2024 عاماً مليئاً بمزيج من الأخبار الحسنة والسيئة بشأن الطارئة الصحية العامة الأخرى التي تثير قلقاً دولياً، ألا وهي شلل الأطفال. فقد ساعدنا على وقف تفشي فيروس شلل الأطفال البري في أفريقيا، ولكن عدد الحالات المكتشفة في أفغانستان وباكستان ارتفع من 12 حالة في عام 2024 إلى 99 حالة في العام الماضي. وأُبلِّغ عن عشر حالات حتى الآن في عامنا هذا.

واستجابةً لعودة ظهور شلل الأطفال في قطاع غزة، تفاوضت المنظمة على هدنة إنسانية لتنفيذ حملة تطعيم شملت أكثر من 000 560 طفل. وقد أوقفنا شلل الأطفال، لكن سكان قطاع غزة مازالوا يواجهون مخاطر أخرى متعدّدة. فبعد شهرين من الحصار الأخير، أصبح مليونا شخص يتضورون جوعاً، بينما يُفرض حظر على 000 116 طن من المواد الغذائية على الحدود على بعد دقائق من غزة.

ويتعاظم خطر تعرّض سكان قطاع غزة للمجاعة بسبب الحجب المتعمد للمساعدات الإنسانية، بما في ذلك الأغذية، في ظل الحصار المستمر. ويؤدي تزايد الأعمال العدائية وأوامر الإجلاء وتقلص حيّز العمل الإنساني وفرض الحصار على المعونة إلى تدفق أعداد كبيرة من المصابين إلى النظام الصحي المنهار بالفعل. ويموت الناس بسبب أمراض يمكن الوقاية منها في حين تنتظر الأدوية على الحدود، وتحرم الهجمات على المستشفيات الناس من الرعاية وتمنعهم من التماسها.

ومنذ تشرين الثاني/ نوفمبر 2023، دعمت المنظمة عمليات الإجلاء الطبي لأكثر من 7300 مريض، من بينهم 617 مريضاً بالسرطان. ونشكر مستشفى سانت جود لأبحاث الأطفال والاتحاد الأوروبي على دعمهم وشراكتهم في التمكين من إجراء عمليات الإجلاء هذه. ومع ذلك، فمازال أكثر من 000 10 مريض يحتاج إلى الإجلاء الطبي من قطاع غزة.

ونطلب من الدول الأعضاء أن تقبل المزيد من المرضى، ونطالب إسرائيل بأن تسمح بعمليات الإجلاء هذه، وأن تسمح بدخول الغذاء والدواء اللذين تمس الحاجة إليهما إلى قطاع غزة. وتقف المنظمة على أهبة الاستعداد، مع شركائنا في الأمم المتحدة، للتحرك بسرعة لإيصالهما إذا سُمح لهما بالدخول.

وفي السودان، قُتِل ما يقدر بنحو 000 32 شخص، ونزح 30٪ من السكان، ويحتاج 20 مليون شخص إلى المساعدات الإنسانية. وقد زُرت السودان في أيلول/ سبتمبر، ورأيت هناك آثار الحرب الأهلية والتقيت بأناس يدفعون الثمن.

وفي الأسبوع التالي كنت في تشاد، التي سافرت فيها إلى بلدة أدري الحدودية، حيث التقيت ببعض اللاجئين السودانيين ممن فروا بحثاً عن الأمن والغذاء وعددهم 000 900 لاجئ. وما هؤلاء إلا نسبة قليلة من مجموع الأشخاص الذين أُجبِروا على الفرار من منازلهم في شتى أنحاء العالم والبالغ عددهم 122 مليون شخص.

وفي قطاع غزة والسودان وأوكرانيا وأماكن أخرى، مازلنا نشهد الهجمات على الرعاية الصحية، التي باتت "وضعاً طبيعياً جديداً" تفرضه النزاعات. ففي العام الماضي، تحققنا من وقوع أكثر من 1500 هجوم على مرافق الرعاية الصحية في 15 بلداً وإقليماً، أسفر عن مقتل أكثر من 900 شخص. ويتمثل أفضل دواء لكل بلد في السلام والحل السياسي. فأتمنى أن يسود السلام الذي يستمر على مدى الأجيال. فالحرب ليست هي الحل. بل السلام هو الحل.

واستجابةً للدروس المستفادة من كوفيد-19 وسائر الطوارئ الصحية، تدعم المنظمة البلدان في تعزيز قدراتها من خلال إطار التأهب والاستجابة للطوارئ الصحية. فنحن ندعم البلدان لتعزيز قدراتها في مجال الترصّد الجينومي، ونُجري يومياً مسحاً للعالم بحثاً عن المخاطر التي تهدّد الصحة العامة من خلال منصّة المعلومات الوبائية من المصادر المفتوحة.

وأجرينا في العام الماضي تقييماً لأكثر من 15 مليون إشارة محتملة من 000 13 مصدر؛ وقَدَّم صندوق مكافحة الجوائح منحاً قيمتها 885 مليون دولار أمريكي، حفزت 6 مليارات دولار أمريكي أخرى من التمويل المشترك، ودعمت 47 مشروعاً في 75 بلداً.

ومن خلال مركز المنظمة لتحليل المعلومات عن الجوائح والأوبئة في برلين تربط الآن الشبكة الدولية لترصّد مسببات الأمراض بين 350 منظمة في 100 بلد. وكان مركز برلين نتاجاً للدروس المستفادة من كوفيد-19، كما تعلمون؛ ويدير المخطط الأولي للبحث والتطوير في مجال الأوبئة والجوائح اتحادات البحوث التعاونية المفتوحة في مجال اثنتي عشرة سلالة من المُمْرضات، ويشارك في هذه البحوث أكثر من 5000 عالم لدفع عجلة البحث والتطوير وتحديد الثغرات القائمة في التدابير المضادة.

وأود أن أعرب عن تقديري الخاص لمؤسسة أوزوالدو كروز - فيوكروز في البرازيل، التي تتولى حالياً قيادة واحد من تلك الاتحادات. وأشكر فيوكروز على شراكتها وأقدم تهنئتي الحارة بمناسبة الذكرى السنوية الخامسة والعشرين بعد المائة لتأسيسها. Feliz aniversário Fiocruz.

ويعمل برنامج نقل تكنولوجيا لقاحات الرنا المرسال الذي يتخذ من جنوب أفريقيا مقراً له، على تبادل التكنولوجيا مع شبكة تضم 15 بلداً شريكاً في العالم. وساعد المركز العالمي للتدريب في جمهورية كوريا على تدريب أكثر من 7000 مشارك في مجال الصناعة التحويلية البيولوجية؛ ويعمل المجمع البيولوجي على تيسير تبادل العيّنات. وتستند كل تلك الجهات أيضاً إلى الدروس المستفادة من جائحة كوفيد-19. وفي الشهر الماضي فقط، أجرى فريق الاستجابة للطوارئ الصحية العالمية تمريناً للمحاكاة مدته يومين يطلق عليه اسم تمرين بولاريس، وشارك فيه 350 خبيراً من 15 بلداً، لاختبار القدرة على نشر الخبرات الصحية والربط بينها في أثناء الطوارئ الصحية. ومن خلال منصّة التعلُّم المفتوحة للمنظمة، أُتيح التعلُّم أمام أكثر من تسعة ملايين شخص دعماً للاستجابة لست وعشرين فاشية.

وفي مثل هذه الجمعية في العام الماضي، اعتمدت الدول الأعضاء حزمة تعديلات على اللوائح الصحية الدولية، وتدعم المنظمة البلدان في الاستعداد لبدء نفاذها في أيلول/ سبتمبر من هذا العام 2025. كما ندعم استعراضات النظراء الطوعية الوطنية والعالمية للتأهب من خلال الاستعراض الشامل للصحة والتأهب.

وفي العام الماضي، دعمنا 19 تقييماً خارجياً مشتركاً، و28 استعراضاً لاحقاً للإجراءات، و34 تمريناً للمحاكاة. ولأول مرة، لدينا 195 بلداً يُبلِّغ عن قدراته المتعلقة باللوائح الصحية الدولية من خلال التقرير السنوي للدول الأطراف، أي أداة الإبلاغ السنوي بشأن التقييم الذاتي للدول الأطراف. وبناءً على الدروس المستفادة من كوفيد-19، تحدث تغيّرات كبيرة، ويلزم علينا الاستمرار في دفع التغيير.

وفضلاً عن أنشطة التأهب العامة هذه، ندعم أيضاً البلدان في استعدادها لمواجهة المخاطر المحدّدة، ومنها فيروس إيبولا. فقد طعّمنا 000 150 عامل صحي في ستة بلدان ضد داء فيروس إيبولا، بالتعاون مع تحالف غافي للقاحات، وهي المرة الأولى التي يحدث فيها ذلك خارج إطار الاستجابة للفاشيات، لمنع وقوع أي فاشيات في المستقبل.

كما ساعدنا أيضاً على تطعيم 65 مليون شخص ضد الحمى الصفراء في أربعة بلدان؛ ومن خلال الشبكة العالمية لترصّد الأنفلونزا والتصدي لها، جُمع أكثر من 12 مليون عيّنة وأُخضعت للاختبار، واقتُسمت 000 50 عيّنة مع المراكز المتعاونة مع المنظمة في مجال الأنفلونزا. وأوصينا بتسعة فيروسات جديدة حيوانية المنشأة مرشّحة للقاحات، وهي متاحة عالمياً للمصنِّعين لإنتاج اللقاحات في حال حدوث جائحة أنفلونزا. فالتأهب مستمر على النحو الذي اتفقنا عليه. وهذا هو السبب.

وتدعم كل هذه الأعمال الرامية إلى تعزيز الصحة وتوفيرها وحمايتها جهودنا المبذولة على جميع المستويات الثلاثة للمنظمة في إطار الأولويتين الرابعة والخامسة من برنامج العمل العام الرابع عشر، وهما التمكين والأداء من أجل الصحة من خلال العلوم والتقنيات الرقمية والبيانات وعملية التحوُّل الجارية في المنظمة.

ففي العام الماضي، أجرينا استعراضاً لعملية التحوُّل في المنظمة، من أجل التعرّف على الجهود الناجحة وتلك التي لم يُكتَب لها النجاح. وبناءً على نتائج الاستعراض، أعدنا ترتيب أولويات عملية التحوُّل ومواءمتها مع أولويات برنامج العمل العام الرابع عشر. وتمثل أحد جوانب النجاح الذي حقّقه التحوُّل في زيادة تركيزنا على العلوم والبيانات والصحة الرقمية. وهنا يكمن مستقبل المنظمة.

فعمل المنظمة في مجال وضع القواعد والمعايير هو أهم وظائف المنظمة الأساسية، ولقد بسّطنا العمليات كي نُقدِّم للدول الأعضاء المشورة المسنّدة بالبيّنات والعالية الجودة في أسرع وقت ممكن. وقد شهد العام الماضي 65 مليون عملية تنزيل لمنشورات المنظمة وإرشاداتها وغيرها من المواد الصادرة عنها. وأصدرنا مبادئ توجيهية جديدة مهمّة بشأن أنفلونزا الطيور والذكاء الاصطناعي والتجارب السريرية والإقلاع عن تعاطي التبغ وجدري القردة ومجالات أخرى كثيرة.

وبدءاً من هذا العام، نعكف على مواءمة إرشاداتنا وعملنا في مجال وضع القواعد والمعايير مع الاختبارات المسبقة للصلاحية، وهو ما يعني أننا سوف نجري الاختبار المسبق لصلاحية المنتجات ونصدر مبادئ توجيهية بشأن استخدامها في الوقت ذاته. وسيكون المنتج الأول في إطار هذه العملية الجديدة هو الليناكابافير، وهو دواء جديد مثير للاهتمام لعلاج فيروس العوز المناعي البشري والوقاية منه.

وعلى الرغم من أن تطوير لقاح حقيقي لفيروس العوز المناعي البشري مازال بعيد المنال، فإن الليناكابافير هو أقرب مُنتَج له، وهو مضاد جديد للفيروسات القهقرية يتناوله الشخص كل ستة أشهر، وقد ثبتت قدرته على الوقاية من جميع حالات عدوى الفيروس تقريباً بين الأشخاص المعرّضين للمخاطر. ونتوقع أن نختتم العمليات الخاصة بالإرشادات وبالاختبار المسبق للصلاحية كليهما هذا العام، وسيدعم ذلك الطرح اللاحق لهذا المنتج.

ويمتثل جانب آخر من جوانب النجاح الذي حقّقه التحوُّل، في زيادة تركيزنا على الصحة الرقمية. فعلى مدى السنوات الخمس الماضية، دعمت المنظمة 75٪ تقريباً من الدول الأعضاء في وضع استراتيجيات للاستفادة من التكنولوجيات الرقمية، بما في ذلك الذكاء الاصطناعي، في تعزيز نُظُمها الصحية.

فالمنظمة تستضيف الشبكة العالمية لإصدار الشهادات الصحية الرقمية التي مكّنت إندونيسيا وماليزيا وعُمان والمملكة العربية السعودية من إصدار 000 250 ملخص دولي لسجلات المرضى في موسم الحج لعام 2024، وهو ما يدعم الرعاية أثناء الطوارئ لنسبة 78٪ من أصحاب السجلات التي خضعت للمسح. وستنضم بلدان أخرى كثيرة هذا العام. وتغطي الشبكة الآن 82 بلداً، ويستفيد منها ما يقرب من ملياري شخص. وأشكر الاتحاد الأوروبي على دعمه المتواصل لهذا العمل.

وثمة عنصر رئيسي آخر في عملية التحوُّل في المنظمة، وهو تركيزنا على البيانات. فيستطيع الآن كل بلد من بدان العالم الاستفادة من المركز العالمي لبيانات الصحة الذي يُعَد مساراً آمناً وموحداً لزيادة الشفافية والمساءلة والتقدُّم.

أصحاب المعالي الوزراء، الزملاء والأصدقاء الأعزاء، أتمنى لكم العديد من الإنجازات التي تستدعي الاحتفال، ولكننا نعلم كذلك أن العديد من البلدان تواجه تحديات كبيرة. فقد أخبرني العديد من الوزراء أن الانخفاض المفاجئ والحاد في المساعدات الثنائية يتسبب في خلل شديد في بلدانهم، ويعرّض صحة ملايين الأشخاص للخطر. ففي 70 بلداً على الأقل، حُرم المرضى من العلاجات، وأُغلقت المرافق الصحية، وفقد العاملون الصحيون وظائفهم، ويواجه الناس زيادة في النفقات الصحية المدفوعة من جيوبهم الخاصة.

وعلى الرغم من التحدي الذي يشكّله ذلك، فإن العديد من البلدان ترى في ذلك فرصة سانحة للتخلي عن زمن الاعتماد على المعونة وتسريع الانتقال إلى الاعتماد المستدام على الذات بالاستناد إلى الموارد المحلية. ونحن نبذل قصارى جهدنا لدعم البلدان في إجراء هذا التحوُّل.

ومع ذلك، ففي الوقت الذي تحتاج فيه الدول الأعضاء إلى منظمة قوية، تواجه المنظمة تحدياً. وعلى الرغم من صعوبة وضعنا الحالي، فينبغي ألا يكون الأمر مُستغرباً لأي منا. فالوضع قد تطوّر على مدى سنوات عديدة، وكان متوقعاً.

فعندما بدأنا عملية التحوُّل في المنظمة قبل ثماني سنوات - فور أن بدأت عملي في منصب المدير العام - كانت إحدى المشكلات الرئيسية التي بدأنا في معالجتها هي اعتماد المنظمة المفرط على التمويل الطوعي المخصص المُقدَّم من بضع جهات مانحة تقليدية.

ونفذنا عدة تدابير للتخفيف من حدة تلك المشكلة، بدعم منكم، على مدى السنوات الخمس الماضية. ونشرنا أول مبرّرات الاستثمار، وأنشأنا مؤسسة منظمة الصحة العالمية، ونفّذنا الجولة الاستثمارية الأولى، وقبل ثلاث سنوات، اتخذت جمعية الصحة قراراً تاريخياً بزيادة الاشتراكات المقدّرة تدريجياً إلى 50٪ من الميزانية الأساسية. وتُعد هذه هي أعلى زيادة في تاريخ المنظمة. فشكراً لكم على ثقتكم وعلى هذا القرار التاريخي الذي صدر في عام 2022.

وأطلب منكم هذا الأسبوع الموافقة على الزيادة التالية، لنخطو خطوة أخرى نحو ضمان الاستدامة المالية للمنظمة واستقلالها على المدى الطويل. وقد أحدثت الزيادة الأولى بالفعل فرقاً هائلاً. ولولاها لكان وضعنا المالي الحالي أسوأ بكثير - أسوأ بمقدار 300 مليون دولار أمريكي. ومع ذلك، فنحن نواجه فجوة في المرتبات في الثنائية المقبلة تزيد على 500 مليون دولار أمريكي.

وقد اتخذت الأمانة طيفاً من التدابير لخفض تكاليف السفر والمشتريات والتوظيف، والتقاعد المبكر، وغير ذلك. وساعدت هذه التدابير على تضييق الفجوة، ومع ذلك فلا يوجد بديل لتقليص حجم قوانا العاملة. ونحن ننفّذ ذلك بتأنٍّ، لحماية جودة عملنا وضمان أننا في وضع يسمح لنا بالخروج من هذه الأزمة أقوى وأشد تمكناً واستقلالية.

وكما تعلمون، نحن ننفّذ الآن عملية إعادة هيكلة كبرى، نسترشد فيها بتحليل متعمّق للأولويات نتوخى فيه التأني والتدبّر. وقد استُرشد بعملية تحديد الأولويات في وضع هيكل مبسّط جديد للمقر الرئيسي، يخفّض عدد فريق الإدارة التنفيذية من 14 شخص إلى 7 أشخاص، وعدد الإدارات من 76 إدارة إلى 34 إدارة. ووصفت بعض الدول الأعضاء الهيكل الجديد بأنه "رشيق وقوي". وأعتقد أنه أصبح أشد تركيزاً وقد يكون أعظم أثراً كذلك.

وأعلنت في الأسبوع الماضي عن فريق الإدارة التنفيذية الجديد، وفي الأسابيع المقبلة سنتخذ القرار بشأن المديرين الذين سيعيّنون على الإدارات. وكان ذلك، كما يمكنكم أن تتصوروا، قراراً صعباً وقاسياً للغاية عليّ أنا شخصياً، وعلى كل مدير في المنظمة يتحتم عليه أن يقرّر من سيبقى ومن سيرحل.

وأود أن أسجل امتناني العميق لأعضاء فريق الإدارة التنفيذية المغادرين: الدكتور مايك رايان، والدكتورة سميرة أسما، والدكتور بروس أيلوارد، والدكتورة كاثارينا بويهم، والدكتور لي أيلان، والدكتور جيروم سالومون. فقد خدم كل منهم المنظمة وشعوب العالم بامتياز وتفاني. وأطلب إليكم الانضمام إليّ في شكرهم على إسهاماتهم.

أصحاب السعادة والمعالي، فلنكن واضحين: إن تقليص القوى العاملة يعني تقليص نطاق العمل. فلا يمكن للمنظمة أن تفعل كل ما طلبت منها الدول الأعضاء أن تفعله بالموارد المتاحة. فسوف تنظرون هذا الأسبوع في ميزانية برمجية مخفضة قدرها 4,2 مليارات دولار أمريكي للثنائية 2026-2027. ويشكّل ذلك انخفاضاً بنسبة 21٪ عن الميزانية الأصلية المقترحة البالغة 5,3 مليارات دولار أمريكي.

وبافتراض موافقتكم على الزيادة في الاشتراكات المقدّرة، وبفضل الجولة الاستثمارية، نثق في أننا حصلنا بالفعل على أكثر من 2,6 مليار دولار أمريكي، أو 60٪ من تمويل الثنائية القادمة. ويترك ذلك فجوة متوقّعة في الميزانية تزيد على 1,7 مليار دولار أمريكي. ونحن نعلم أنه في ظل المشهد الحالي، سيشكل تعبئة ذلك المبلغ تحدياً.

ولا تنقصنا الخبرة اللازمة لمواجهة هذا التحدي، ولكن بالنسبة إلى منظمة تعمل ميدانياً في 150 بلداً، وتُكلَّف بالمهمة والولاية الواسعتي النطاق التي أسندتهما إليها الدول الأعضاء، فإن 4,2 مليارات دولار أمريكي لسنتين - أي 2,1 مليار دولار سنوياً - ليس مبلغاً طموحاً بل متواضعاً للغاية. وآمل في أن تتفقوا معي على ذلك، وسأخبركم لماذا: 2,1 مليار دولار أمريكي يعادل الإنفاق العسكري العالمي في كل ثماني ساعات؛ و2,1 مليار دولار أمريكي هو ثمن قاذفة قنابل شبح واحدة - لقتل الناس؛ 2,1 مليار دولار أمريكي هي ربع ما تنفقه دوائر صناعة التبغ سنوياً على الإعلان والترويج. مرة أخرى، منتج يقتل الناس. فيبدو أن شخصاً ما بدّل بطاقات الأسعار لكل ما له قيمة حقيقية في عالمنا.

وفي مؤتمر ميونيخ للأمن الذي انعقد في شباط/ فبراير - أُشارك فيه بانتظام منذ كنت وزيراً للخارجية في عام 2012 - تحدث معي وزيراً للخارجية عن الزيادات الكبيرة في الإنفاق على الدفاع التي أعلنت عنها بعض البلدان. فقد ضاعف العديد من البلدان الإنفاق على الدفاع مرتين أو ثلاث مرات، ويعرف الجميع ذلك - مليارات أو تريليونات الدولارات. وقال: "علينا أن نستعد للأسوأ".

فقلت: "أتفَهّمُ ذلك، ولكن ماذا عن الاستعداد لهجوم عدو خفي؟ فأنت لا تفكر إلا في الدبابات التي قد تجتاز حدودك أو الطائرات المسيّرة التي قد تحوم في سمائك؟ فماذا عن العدو الخفي. لقد قتلت جائحة كوفيد-19 ما يقدّر بنحو 20 مليون شخص، واستنزفت أكثر من 10 تريليونات دولار أمريكي من الاقتصاد العالمي".

ولا أعتقد أنك على علم بأي حرب تعيها الذاكرة قتلت 20 مليون شخص. فالدول تنفق مبالغ طائلة لحماية أنفسها من هجمات البلدان الأخرى، ولكنها تنفق القليل نسبياً على حماية نفسها من العدو الخفي الذي قد يسبب قدراً أكبر بكثير من الضرر.

وإذا كنا نعتقد أن 2,1 مليار دولار أمريكي سنوياً يُعد مبلغاً طموحاً - أي 4,2 مليار دولار أمريكي للثنائية - فيجب علينا إما أن نحد من طموحاتنا بشأن المنظمة وما تفعله المنظمة، أو أن نجمع الأموال. وأعرف أيهما سأختار أنا، وآمل في أن تختاروه أنتم أيضاً. وفي هذا المقام، أذكركم بالحدث الخاص بالجولة الاستثمارية الذي سيُقام غداً، ونتطلع إلى رؤية تعهدات جديدة من جانب الدول الأعضاء والجهات المانحة الخيرية.

أصحاب المعالي الوزراء، الزملاء والأصدقاء الأعزاء، في عام 1951، كانت المنظمة الحديثة الولادة تتعرّض بالفعل لعصف الرياح الجيوسياسية السائدة في ذلك الوقت - تماماً كما اليوم. وفي الكلمة الافتتاحية قالت الرئيسة بالنيابة لجمعية الصحة العالمية في ذلك العام، راجكوماري أمريت كاور، وكانت أول وزيرة صحة في الهند وأول امرأة تترأس هذه الجمعية، "إن الغيوم الداكنة التي تُلقي بظلالها على سمائنا اليوم يمكن - ويجب - أن نبدّدها بالوفاء بتعهدنا بخدمة بعضنا البعض. ويشكّل عملنا بالتأكيد تراثاً ثميناً لا يمكننا التخلي عنه، وعاملاً إيجابياً للتغلب على الأسباب الجذرية للنزاع". وأطلب منكم أن تتذكروا هذه الكلمات اليوم، وهذا الأسبوع.

فلسنا هنا لخدمة مصالحنا الخاصة، وإنما لخدمة ثمانية مليارات شخص في هذا العالم؛ لنترك تراثاً لمن سيأتون من بعدنا، لأطفالنا وأحفادنا، وللعمل معاً كي ينعم العالم بمزيد من الصحة والسلام والإنصاف. إن هذا ممكن. إن أزمتنا الحالية ما هي إلا فرصة سانحة لنفعل ذلك، وسنفعل ذلك معاً.

شكراً لكم.