عمتم صباحاً ومساءً أينما كنتم،
أولاً، أتحدّث عن غزّة التي يساورنا بشأنها قلق عميق إزاء الأنشطة العسكرية الإسرائيلية المتزايدة في رفح التي فرّ إليها معظم سكان غزّة طلباً للأمان.
فقد غادر رفح بحسب التقديرات ما يتراوح بين 30 و40 ألف شخص متوجهين إلى خان يونس ودير البلح، ولكن ما زال هناك أكثر من 1,4 مليون شخص معرّضين للخطر في رفح، منهم 600 ألف طفل.
واضطرت فعلاً واحدة من مستشفيات رفح الثلاثة – وهي مستشفى النجار – إلى إغلاق أبوابها. ونُقِل المرضى الذي كانوا فيها إلى أماكن أخرى، ويقوم موظفو المستشفى بنقل الإمدادات وبعض المعدات لحمايتهم.
ولا يزال معبر رفح من مصر إلى غزّة مغلقاً، وهو نقطة رئيسية لإيصال الإمدادات إلى غزّة.
ولم يُسمح بإدخال إمدادات الوقود التي كنّا نتوقع أن يُسمح بإدخالها اليوم، ما يعني أنه ليس لدينا من الوقود سوى ما يكفي لتشغيل الخدمات الصحّية في الجنوب لمدة ثلاثة أيام أخرى لا غير.
وقد قامت المنظّمة بوضع بعض الإمدادات مسبقاً في المستودعات والمستشفيات، ولكن سيتعذّر علينا مواصلة دعمنا المنقذ للأرواح في المستشفيات بدون ورود المزيد من المساعدات إلى غزّة.
ولا تنوي المنظّمة الانسحاب من رفح وستبقى فيها وتقدم خدماتها جنباً إلى جنب مع شركائنا.
كما تعكف المنظّمة على تنسيق عمل 20 فرقة من فرق الطوارئ الطبّية في غزّة، والمكوّنة من 179 موظفاً دولياً من 30 بلداً يعملون جنباً إلى جنب مع 800 موظف محلي.
وتزاول هذه الفرق عملها داخل 10 مستشفيات قائمة، وقد أقامت خمس مستشفيات ميدانية.
وقدمت حتى الآن 400 ألف استشارة طبّية تقريباً، وأجرت أكثر من 18 ألف عملية جراحية، وزادت عدد الأسرّة في المستشفيات بواقع 500 سرير إضافي.
كما تعمل الفرق على جميع مستويات الرعاية في الشمال والجنوب، وتعكف على تأمين استقرار حالة الأفراد المُصابين برضوح، والمساعدة في عمليات الإنجاب، وتقديم الدعم في مجال الإنذار المبكر باندلاع فاشيات الأمراض، وإنجاز أعمال أخرى أكثر من ذلك بكثير.
وبدعم من المنظّمة وموظفي المستشفيات، تولّت فرق الطوارئ الطبّية تنظيف مجمع ناصر الطبّي في خان يونس في أعقاب تعرضه للهجوم والحصار في وقت سابق من هذا العام.
وقامت كذلك بتوظيف عاملين صحّيين في المستشفى الذي أصبح جاهزاً اليوم للبدء باستقبال مرضى غسيل الكلى.
وثمة حاجة ملحّة إلى وقف إطلاق النار من أجل الإنسانية.
وتدعو المنظّمة إلى إزالة جميع العقبات التي تحول دون إيصال المساعدات الإنسانية العاجلة إلى غزّة وعبرها بالقدر اللازم
===
وأنتقل الآن إلى السودان الذي خلّف القتال الدائر فيه منذ أكثر من عام كارثة إنسانية في البلد.
فقد أُبلغ فيه عن أكثر من 15000 وفاة و33000 إصابة منذ نشوب النزاع في نيسان/ أبريل من العام الماضي.
ويوجد 15 مليون شخص في حاجة إلى مساعدة إنسانية وصحّية عاجلة.
وشُرّد 9 ملايين شخص تقريباً، نصفهم من الأطفال، وهم يعانون بشدّة من محدودية الحصول على الخدمات الصحّية.
وهناك أكثر من 70٪ من المستشفيات الواقعة في الولايات المتضررة بالنزاع ونصف المرافق الصحّية تقريباً في بقية أنحاء البلد عاطلة عن العمل.
أمّا المستشفيات والمرافق التي ما زالت تعمل فهي مكتظة بمن يلتمسون الرعاية، كثيرون منهم هم من المشردين داخلياً.
ولا تزال المرافق الصحّية وسيارات الإسعاف والعاملون الصحّيون والمرضى عرضة للهجمات، ممّا يحرم مجتمعات بأكملها من الخدمات الصحّية الأساسية.
وقد قُتل في الأسبوع الماضي تحديداً اثنان من زملائنا من اللجنة الدولية للصليب الأحمر في جنوب دارفور.
كما أسفر النزاع عن تدهور مدمّر في الأمن الغذائي. ويواجه أكثر من ثلث السكان جوعاً حاداً، وهناك خطورة لحدوث مجاعة في دارفور والخرطوم.
وقد أصدر الشركاء في مجال العمل الإنساني خطة بشأن الوقاية من المجاعة.
وتتمثل أولوية المنظّمة في ضمان استمرارية تقديم الخدمات الصحّية للوقاية من الفاشيات والاستجابة لها، وتوفير الرعاية لمن هم في أمسّ الحاجة إليها، بمن فيهم النساء الحوامل والمرضعات والأطفال دون سن الخامسة.
وما زالت هناك قيود شديدة مفروضة على الوصول إلى الفئات الأكثر ضعفاً. ومن الضروري أن توفر جميع الأطراف في النزاع إمكانية إيصال المساعدات الإنسانية دون عوائق إلى من تلزمهم، بوسائل منها تأمين الطرق العابرة للحدود.
وأُعلن في تشاد المجاورة عن اندلاع فاشية من التهاب الكبد E خلّفت أكثر من 2000 حالة و7 وفيات، معظمها فيما بين اللاجئين السودانيين. ونشرت المنظّمة فرقة لدعم الاستجابة للفاشية.
والأهم من ذلك كله، أننا ندعو إلى وقف إطلاق النار والاضطلاع بعملية سلام شاملة في السودان.
وقد حان الوقت لإسكات البنادق ورفع الأصوات من أجل إحلال السلام، فالسلام أفضل دواء لهذا الداء.
===
وأنتقل الآن إلى الولايات المتحدة وفاشية فيروس H5N1 المسبّب لأنفلونزا الطيور بين قطعان الأبقار الحلوب.
فقد أُصيب حتى الآن 36 قطيعاً من الأبقار الحلوب في تسع ولايات. ولم يُبلغ إلا عن حالة بشرية واحدة، ويتواصل رصد ما لا يقل عن 220 شخصاً فُحص منهم 30 شخصاً على الأقل.
ولكن تعرض أناس أكثر بكثير للحيوانات المُصابة بالعدوى، ومن الضروري فحص جميع من تعرضوا لها أو رصد حالتهم وتزويدهم بالرعاية عند اللزوم.
ولم يُبدِ الفيروس حتى الآن علامات تدل على تكيّفه بطريقة تمكنه من الانتشار بين البشر، ولكن يلزم زيادة معدلات ترصده.
وقد كُشف الفيروس في الحليب الخام في الولايات المتحدة، على أن الاختبارات الأولية تثبت أن البسترة تقتل الفيروس.
وتنصح المنظّمة الناس دوماً بضرورة استهلاك الحليب المبستر في جميع البلدان.
وبناءً على المعلومات المتاحة، تواصل المنظّمة تقدير مخاطر فيروس H5N1 المسبّب لأنفلونزا الطيور على الصحّة العامة على أنها متدنية، وأنها تتراوح بين المتدنية والمتوسطة بالنسبة للمعرّضين للحيوانات المُصابة بعدوى الفيروس.
وقد انتشر في السنوات الأخيرة فيروس H5N1 المسبّب لأنفلونزا الطيور على نطاق واسع فيما بين الطيور البرية والدواجن والثدييات البرية والبحرية، وهو ينتشر الآن فيما بين قطعان الأبقار الحلوب.
وأُبلغ منذ عام 2021 عن 28 حالة بين البشر، رغم أنه لم يُوثّق أي انتقال لعدوى الفيروس من إنسان إلى آخر في ذلك الوقت.
ولدى المنظّمة نظام قوي لرصد الأنفلونزا في جميع أنحاء العالم، وهو مؤلف من شبكة من مراكز مكافحة الأنفلونزا في 130 بلداً و7 مراكز متعاونة مع المنظّمة و12 مختبراً مرجعياً تمتلك القدرات ومتطلبات السلامة البيولوجية اللازمة للتعامل مع الفيروسات من النوع H5.
ولدينا أيضاً إطار التأهب لمواجهة الأنفلونزا الجائحة لدعم عملية تطوير اللقاحات بسرعة وتوزيعها بإنصاف في حالة اندلاع جائحة أنفلونزا.
ولكن لا يوجد نظام مماثل لرصد المُمرضات الأخرى - وهي فجوة تسعى الآن الدول الأعضاء في المنظّمة إلى سدّها بواسطة اتفاق المنظّمة بشأن الجوائح.
كما يدل اندلاع فاشية فيروس H5N1 المسبّب لأنفلونزا الطيور بين قطعان الأبقار الحلوب على أهمية اتباع نهج الصحّة الواحدة الذي يعترف بالروابط الوثيقة القائمة بين صحّة الإنسان وصحّة الحيوان وبيئتنا.
وهذان النظامان - اللذان يُعنى أحدهما بالوقاية من الفاشيات والجوائح من خلال اتباع نهج الصحّة الواحدة، ويُعنى الآخر بالاستجابة لتلك الفاشيات والجوائح عن طريق تبادل اللقاحات - هما عنصران حيويان من عناصر اتفاق المنظّمة بشأن الجوائح الذي تتفاوض عليه الدول الأعضاء في المنظّمة في الوقت الذي نتحدّث فيه الآن.
وممّا يشجعني أن جميع الدول الأعضاء البالغ عددها 194 دولة ملتزمة بقوة بوضع الصيغة النهائية للاتفاق في وقت انعقاد جمعية الصحّة العالمية. كما تعكف تلك الدول على العمل لساعات طويلة من أجل إيجاد أساس مشترك نابع من حسن النية لمصلحة شعوب العالم.
===
وأخيراً، فقد أصدرنا يوم أمس تقرير المنظّمة عن النتائج لعام 2023 الذي يلخص عملنا على مدى العامين الماضيين.
ويبين هذا التقرير التفاعلي والشامل والمُتاح على موقع المنظّمة الإلكتروني مدى عمق عملنا واتساع نطاقه وهو يضم 174 صفحة مكرسة للبلدان و100 صفحة أخرى تروي قصصاً عن أثر عملنا في البلدان والمزيد من المعلومات.
كما يبين التقرير بشفافية المصادر التي نحصل منها على التمويل ومواضع إنفاقنا له وأثره.
ويرسم التقرير صورة مختلطة لحالة الصحّة العالمية.
ولدينا العديد من الأسباب للاحتفال. فقد أنخفض مثلاً منذ مطلع القرن معدل وفيات الأطفال بمقدار النصف، ويُردّ الفضل في انخفاضها إلى اللقاحات بشكل كبير.
ولكن بسبب الاضطرابات الناجمة عن جائحة كوفيد-19، فقد انخفضت معدلات التطعيم لتتسبب فيما نشهده من أمراض عاودت الظهور مثل الحصبة.
وقد بقي أمامنا الآن سبع سنوات لبلوغ عام 2030، وهو الموعد النهائي لتحقيق أهداف التنمية المستدامة، علماً بأن بعض هذه الأهداف سائر على الطريق الصحيح؛ ولكن الكثير منها ليس كذلك.
وستواصل المنظّمة دعم جميع البلدان في مجال تعزيز نظمها الصحّية سعياً إلى تحقيق رؤيتنا التأسيسية، وهي: توفير أعلى مستوى من الصحّة يمكن بلوغه لجميع الناس، بوصف ذلك حقاً أساسياً.
فضيلة، أعيد إليك الكلمة.