الرئيستان المشاركتان، العزيزتان بريشس وآن كلير،
نواب الرئيس الأعزاء، سعادة السفيران توفار ورمضان والدكتور فيروج والسيدة ديفيس،
أصحاب السعادة والمعالي، الزملاء والأصدقاء الأعزاء،
صباح الخير ومرحبا بكم مجدداً. سأستهل كلمتي بأُطروفة.
في مؤتمر ميونيخ للأمن الذي عُقد في شباط/فبراير الماضي، تحدثتُ إلى أحد وزراء الخارجية.
وكنا نناقش سبب إعلان العديد من البلدان عن هذا الحجم الهائل من الاستثمارات في قطاع الدفاع.
وقال لي وزير الخارجية: "علينا أن نستعد للأسوأ".
وقلت له: "إنني أتفهّم ذلك بطبيعة الحال، ولكن ماذا عن الاستعداد لهجوم من عدو غير مرئي؟"
فقال لي: "ماذا تقصد؟ عن أي عدو خفي تتحدث؟"
قلت له: "الفيروسات. لقد رأيتَ بأم عينيك ما فعلته جائحة كوفيد-19. لقد فتكت بسبعة ملايين شخص حسب الأرقام الرسمية، ولكننا نقدر الخسائر الحقيقية بنحو 20 مليون شخص. وعلاوة على التكلفة البشرية، خسِر الاقتصاد العالمي أكثر من 10 تريليون دولار أمريكي نتيجة للجائحة.
"فيمكن للجائحة أن تفتك بعدد أكبر من الأشخاص وأن تسبّب حجماً أكبر من الاضطرابات الاجتماعية والاقتصادية مقارنة بالحرب.
"وفي الواقع، أودت الحرب العالمية الأولى بأرواح ما يقدر بـنحو 15 إلى 22 مليون شخص، في حين تسببت جائحة الأنفلونزا لعام 1918 في هلاك ما يقدر بـنحو 50 مليون شخص، أي بما يزيد على الضِعف.
"لهذا السبب نتحدث اليوم عن الأمن الصحي، فالصحة مسألة أمنية قبل كل شيء."
أقول هذا لأن الاتفاق بشأن الجوائح يثير بعض المسائل المتصلة بالتمويل والميزانية والتي تتطلب موارد مالية، غير أنه بالمقارنة مع الأموال التي تُنفق حالياً على قطاع الدفاع، فإن المبلغ المطلوب إنفاقه في إطار هذا الاتفاق يكاد لا يُذكر.
وبناء عليه، اتفقنا مع الوزير المعني وسائر وزراء الدفاع الذين تحدّثنا معهم على أنه يلزم على جميع البلدان إيجاد توازن لحماية شعوبها من القنابل والحشرات على حد سواء.
أيها الزملاء، لعل الوقت مناسب لتستهلوا الجولة الأخيرة من المفاوضات اليوم بمناسبة يوم الصحة العالمي.
وكما تعلمون، فإن يوم الصحة العالمي يصادف ذكرى تأسيس المنظمة في السابع من نيسان/أبريل 1948، وهو اليوم الذي دخل فيه دستور المنظمة حيز التنفيذ.
وكان دستور المنظمة ولا يزال صكًا بارزاً من صكوك قانون الصحة الدولي.
فهو يُحدد 22 وظيفة من الوظائف الأساسية للمنظمة.
وتتمثل إحدى هذه الوظائف، كما تعلمون، في "اقتراح اتفاقيات واتفاقات ولوائح".
هذا هو سبب حضوركم هنا اليوم.
فاستجابةً لجائحة كوفيد-19، اقترحتم كدول أعضاء أن تُصاغ اتفاقية أو اتفاق بشأن الوقاية من الجوائح والتأهب والاستجابة لها.
واتفقتم خلال دورة استثنائية لجمعية الصحة العالمية على التفاوض بشأن تلك الاتفاقية أو ذلك الاتفاق.
وقد عملتم جاهدين لمدة ثلاث سنوات ونصف على إيجاد أرضية مشتركة.
وتمكّنتم شيئاً فشيئاً من تقريب وجهات نظر بعضكم البعض.
ووصلتم في نهاية المطاف إلى المرحلة التي نحن فيها الآن.
لستم بحاجة إلى خطاب آخر مني لتذكيركم بما هو على المحك، أو بمدى أهمية إتمام المفاوضات هذا الأسبوع.
وإذا كان أحدٌ بحاجة إلى تذكير بالسبب الذي يجعل العالم بحاجة إلى اتفاق قوي بشأن الجوائح، فما عليه سوى أن يطّلع على الأخبار.
لقد شهدنا هذا العام اندلاع فاشيتيْ مرض فيروس الإيبولا وداء فيروس ماربورغ، ولا تزال إنفلونزا الطيور تنتشر بين الطيور والماشية وغيرها من الحيوانات، وما انفكت تصيب البشر بعدواها.
وتبدو جائحة كوفيد-19 الآن وكأنها مجرد ذكرى بعيدة، تاركةً مكانها للنزاعات والاضطرابات الجيوسياسية والاقتصادية.
بيد أن الجائحة القادمة لن تنتظر حتى تهدأ الأمور.
فقد تندلع بعد 20 عامًا أو أكثر، أو ربما تحدث غدًا. ولكنها ستحدث لا محالة، وفي كلتا الحالتين، يجب أن نكون على أهبة الاستعداد لمواجهتها.
إن حدوثها ليس مجرد خطر نظري، بل هو حتمية وبائية.
لهذا السبب يحتاج العالم إلى مشاركتكم وقيادتكم من أجل إتمام صياغة اتفاق المنظمة بشأن الجوائح.
لقد قلتُ في السابق وسأكرر إن هذا الاتفاق لن ينتهك بأي حال من الأحوال سيادة أي دولة عضو، بل على العكس من ذلك، فإنه سيعزز السيادة الوطنية والعمل الدولي.
وقد عمل المكتب بجد على صياغة نص يحقق التوازن بين احتياجات الدول الأعضاء وأولوياتها المختلفة.
وأعتقد أنه لا يمكننا تضييع هذه الفرصة ونحن قريبون جداً من الهدف. كما أعتقد أنكم مستعدون الآن للتوصل إلى توافق في الآراء.
وأعتقد أنكم مستعدون لصنع التاريخ من خلال اتفاق الأجيال هذا، لنجنِّب الأجيال القادمة المعاناة التي يتعرّض لها جيلنا.
إن العالم بحاجة إلى إشارة قوية مفادها أنه في أوقات الانقسام والخلاف التي نمر بها، لا يزال بإمكان البلدان أن تضافر جهودها وتجد أرضية مشتركة.
ويمكن للاتفاق بشأن الجوائح أن يكون بمثابة تلك الإشارة، ويمكنكم أن تكونوا أنتم من يعطونها.
شكراً لكم.