الدكتور تيدروس أدهانوم غيبريسوس، المدير العام لمنظمة الصحة العالمية
الدكتور تاباري رامون فاسكيز، رئيس أوروغواي
في إطار الجهود التي تبذلها المنظمة لضمان توفير الصحة والرعاية الجيدين للجميع، ظهرت حاجة ماسة إلى تعزيز الإجراءات العالمية والوطنية المتخذة بشأن الأمراض غير السارية والعوامل التي تعرض الكثير من الناس لخطر المرض والوفاة من جراء هذه الأمراض في جميع أنحاء العالم. ونحن نعني بالإجراءات العمل المنسق الذي تقوده أرفع مستويات الحكومة والذي يأخذ الشواغل الصحية بعين الاعتبار عند وضع جميع السياسات – بدءاً من التجارة والتمويل وصولاً إلى التعليم والبيئة والتخطيط الحضري. فالإجراءات يجب أن تتجاوز نطاق الحكومة ويجب أن تشرك المجتمع المدني والأوساط العلمية وقطاع الأعمال وسائر أصحاب المصلحة في العمل على تعزيز الصحة.
ولكن على الحكومات أن تأخذ زمام المبادرة. فالحكومات هي المنوطة بالقيادة عندما يتعلق الأمر بتحفيز القطاع الخاص وإلزامه بإعطاء الأولوية للخيار الصحي – وليس الربح – ولا سيما تلك الصناعات (مثل المصنعين وتجار التجزئة ومسوقي التبغ أو الكحول أو المشروبات المحلاة بالسكر أو الأطعمة التي تحتوي على الدهون المهدرجة ومستويات عالية من الصوديوم) التي تجعل من المنتجات خطراً على الصحة. ولكن كيف يمكن تحقيق هذا الإجراء عندما يكون حجم وباء الأمراض غير السارية كبيراً بهذه الدرجة—حيث أنها تُفضي إلى الوفيات المبكرة لنحو 15 مليون نسمة ممن تتراوح أعمارهم بين 30 و69 سنة كل عام، بما في ذلك 7 ملايين نسمة في البلدان المنخفضة الدخل والبلدان ذات الشريحة الدنيا من الدخل المتوسط—وتكون المصالح الراسخة للكيانات الاقتصادية النافذة المتعددة الجنسيات بمثل هذه القوة؟
والحل هو منع التعرض للمخاطر المؤدية إلى الأمراض غير السارية، مثل دخان التبغ، وتعاطي الكحول على نحو ضار، والخمول البدني، والنظام الغذائي غير الصحي، وتلوث الهواء، وتوفير التغطية الصحية الشاملة، وبالتالي ضمان حصول جميع الناس على خدمات الرعاية الصحية الوقائية والعلاجية اللازمة، دون الوقوع في براثن الفقر.
وقد وضعت المنظمة قائمة بالإجراءات المجربة والمختبرة والميسورة التكلفة لتحسين الوقاية من الأمراض غير السارية والتبكير باكتشافها وعلاجها ورعاية المصابين بها. وتشمل هذه الإجراءات إعطاء الأولوية للأدوية الأساسية، وإسداء المشورة، وتقديم الرعاية للمتعايشين مع الأمراض غير سارية، بغض النظر عن مكان وجودهم أو ما لديهم من مال. وقدمت المنظمة أيضا توصيات بشأن استخدام القوانين للمساعدة في وقاية الناس من الإصابة بالأمراض غير السارية في المقام الأول. وتعني هذه الإجراءات تنظيم كمية الملح والسكر في الأطعمة والمشروبات المصنعة والتي تحفز أوبئة الأمراض القلبية الوعائية والسكري من النمط 4 والتي غالبا ما تكون أرخص من الخيارات الصحية. وينطوي هذا التنظيم على حظر تسويق التبغ والإعلان عنه والترويج له، وجعل جميع الأماكن العامة المغلقة وأماكن العمل خالية من الدخان. ففرض الضرائب على التبغ والكحول والمشروبات المحلاة بالسكر لا تحد من استهلاك المنتجات غير الصحية فحسب، بل يمكنها أيضا أن تدر عائدات للوقاية من الأمراض وعلاجها.
إبان جمعية الصحة العالمية السبعين التي عقدت في أيار/ مايو 2017، أقرت الحكومات المجموعة المحدثة من "أفضل الخيارات" وغيرها من التدخلات الموصى بها للوقاية من الأمراض غير السارية ومكافحتها، والتي يمكن حال تنفيذها- أن تساعد البلدان على بلوغ الغاية 3-4 من أهداف التنمية المستدامة والخاصة بالحد من الوفيات المبكرة الناجمة عن الأمراض غير السارية بمقدار الثلث بحلول عام 2030 (1).
وبتنفيذ هذه التدابير، سيمكن للحكومات حماية الصحة، وجعل السكان أقوى وأكثر إنتاجية، والحد من تكاليف الرعاية الصحية، وعندما تنفذ الحكومات الضرائب على التبغ والمشروبات المحلاة بالسكر والكحول، فسوف تحقق إيرادات يمكن ضخها وإعادتها إلى التغطية الصحية الشاملة.
"إن تغيير نموذج الأمراض غير السارية أمر ضروري، ولا يجوز بعد الآن اعتبار الأمراض غير السارية—والصحة بشكل عام—فقط كمسألة تكديس للأدوية في المستشفيات وتدريب للعاملين في مجال الرعاية الصحية".
الدكتور تيدروس أدهانوم غيبريسوس، المدير العام لمنظمة الصحة العالمية
الدكتور تاباري رامون فاسكيز، رئيس أوروغواي
وتعتبر هذه التدابير وغيرها، والإجراءات اللازمة لتحويل السياسة إلى حقيقة واقعة، من الأمور المحورية للمؤتمر العالمي للمنظمة المعني بالأمراض غير السارية والذي تشارك المنظمة ورئاسة أوروغواي في تنظيمه وعقده في مونتفيديو بأوروغواي في الفترة من 18 إلى 20 تشرين الأول/أكتوبر 2017. ويحظى هذا المؤتمر بالأهمية لعدة أسباب. فتركيزه على تعزيز اتساق السياسات للوقاية من الأمراض غير السارية ومكافحتها يمثل أمراً أساسياً. وسيهيئ المؤتمر أيضا الفرصة لتقييم التقدم الحرز على المستوى الوطني قبل انعقاد الاجتماع المقبل للجمعية العامة للأمم المتحدة الرفيع المستوى بشأن الأمراض غير السارية في عام 2018.
لقد حدث تقدم. فعلى الصعيد العالمي، انخفضت احتمالات الوفاة قبل الأوان بسبب السرطان والأمراض القلبية الوعائية والسكري والسكتة الدماغية بنسبة 17٪ في الفترة من عام 2000 إلى عام 2015. ومع هذا لا يزال العالم أبعد ما يكون عن تحقيق الغايات العالمية المتعلقة بالحد من الوفيات المبكرة الناجمة عن الأمراض غير السارية بنسبة 25٪ بحلول عام 2025 ثم بمقدار الثلث بحلول عام 2030.
ومن الضروري تغيير نموذج الأمراض غير السارية. فلم يعد بالإمكان اعتبار الأمراض غير السارية—والصحة بشكل عام—فقط كمسألة تكديس للأدوية في المستشفيات وتدريب للعاملين في مجال الرعاية الصحية. وتتولى وزارات المالية قيادة السياسة المالية. وتوجه الاتفاقات التجارية عملية تصدير الأغذية والمشروبات غير الصحية واستيرادها. ووزارات البيئة هي المسؤولة عن تنقية الهواء الذي نتنفسه. ويستقي أطفالنا معارفهم، حتى بشأن الأمور المطلوبة للحفاظ على الصحة، من المدارس.
ولم يعد بوسعنا الادعاء بأن الأمراض غير السارية تمثل مشكلة للبلدان المرتفعة الدخل فحسب، وأن تنظيم الأنشطة التجارية من الصعوبة بمكان، وأن المسؤولية تقع على عاتق الأفراد لاتخاذ الاختيار الصحي. وبدلا من ذلك، يجب علينا أن نتوقع من الحكومات أن تجعل الاختيارات الصحية هي الأساس بالنسبة لمواطنيها، وأن نساعد الحكومات في ذلك. ونحن نتطلع إلى الاجتماع مع قادة الحكومات في أوروغواي لمناقشة سبل القيام بذلك.