الدكتور مارك سبرينغر
مدير أمانة مقاومة مضادات الميكروبات، منظمة الصحة العالمية
بينما انتبه العالم لخطر مقاومة مضادات الميكروبات وبدأ في التصدي لهذه المشكلة، لا يزال العديد من البلدان منخفضة الدخل يكابد بحثا عن القدرات اللازمة لمواجهة هذه المشكلة وهي بلدان في أمس الحاجة إلى دعم أكبر في هذا المجال. هذا هو الاستنتاج الرئيسي لدراسة استقصائية عالمية رائدة حول رأي البلدان في جهودها لمكافحة مقاومة مضادات الميكروبات، والتي أجرتها منظمة الصحة العالمية ومنظمة الأغذية والزراعة، والمنظمة العالمية لصحة الحيوان.
تُطورُ البكتيريا مقاومةً للمضادات الحيوية بسرعة. وتحذو الفيروسات والفطريات والطفيليات هذا الحذو أيضا. والسبب في ذلك هو أننا أفرطنا في استعمال الأدوية وسوء استخدامها لعدة عقود. وهذا هو ما يطلق عليه مقاومة مضادات الميكروبات، وهو تهديد عالمي كبير.
لقد أهملنا لزمن طويل هذا التسونامي الصامت ، الذي نخسر أمامه قدرتنا على حماية أنفسنا من العدوى مثل الالتهاب الرئوي والسل والملاريا. وظل علماء المكروبيولوجيا يحذرون لسنوات ونبرات تحذيراتهم تتعالى مرة بعد أخرى بأن الاستخدام العشوائي للمضادات الحيوية والعقاقير المماثلة في الإنسان والحيوان يجعلها غير فعالة أكثر فأكثر.
والآن، أصبح موضوع مقاومة مضادات الميكروبات يوضع أخيرا في الصدارة في الدوائر الصحية والسياسية، مما أدى إلى وضع خطة عمل عالمية في 2015 أقرها وزراء الصحة والزراعة في الأجهزة الرئاسية لمنظمة الصحة العالمية ومنظمة الأغذية والزراعة والمنظمة العالمية لصحة الحيوان ورؤساء الدول في اجتماع رفيع المستوى للجمعية العامة للأمم المتحدة في أيلول/سبتمبر الماضي. ومنذ ذلك الحين، ظلت البلدان النامية تضع خطط عمل وطنية لتطبق التغييرات في السياسات المتفق عليها عالميا على أرض الواقع.
تحمل دراستنا الاستقصائية حول التقدم الذي أحرزته البلدان أخبارا سارة. حيث إن أكثر من 90% من الناس في العالم (6.5 مليار نسمة) يعيشون في بلد وضع فعلا خطة عمل وطنية بشأن مقاومة مضادات الميكروبات، أو في صدد وضعها. وتشمل بعض المجالات الرئيسية التي أفادت البلدان أنها تحرز فيها تقدما كبيرا: تدريب الأطباء والممرضين والعاملين الصحيين الآخرين على كيفية الحد من انتشار مقاومة مضادات الميكروبات، وتحسين الوقاية من العدوى ومكافحتها، وتعزيز نظم الكشف عن حجم المشكلة. وهذه إنجازات مذهلة فعلا. وبما أن الخطط الوطنية هي خطط متعددة القطاعات، فإن قادة صحة الإنسان وصحة الحيوان والبيئة، الذين غالبا ما يتحدثون عن نهج مشتركة، يضعون فعلا هذه الخطط موضع التنفيذ.
ولكن عندما تدخل في تفاصيل الأرقام فإن الصورة تصبح أقل إشراقا. إذ نجد أن البلدان مرتفعة الدخل التي لديها أصلا نظم صحية وزراعية أقوى هي على مستوى أكبر بكثير من التأهب للتعامل مع مقاومة مضادات الميكروبات - حيث إن أكثر من 80% من هذه البلدان لديها خطة أو تقوم بتطوير واحدة. وعلى النقيض من ذلك، نجد أن 30% من البلدان منخفضة الدخل إما لديها خطة أو تقوم بتطوير واحدة. وهذا ليس بالأمر المفاجئ لأن العديد من البلدان منخفضة الدخل تفتقر إلى الخبرات أو القدرات لوضع خطة وطنية، أو أنها مشغولة بالتعامل مع نظمها الصحية الهشة أو فاشيات الأمراض المعدية.
ومع ذلك فإن البلدان منخفضة الدخل هي التي تحتاج إلى أن تكون متأهبة أكثر لأنه من المحتمل أن تتحمل العبء الأكبر من مشكلة مقاومة مضادات الميكروبات: فالأمراض المعدية هي أكثر شيوعا في هذه البلدان، ونظمها الصحية أضعف بكثير وأقل قدرة على التكيف عندما تصبح المضادات الحيوية من الخط الأول (التي تكون أرخص في العادة) أقل فعالية. وعبء الأمراض المعدية التي يصعب علاجها وتأثير فشل العلاج من حيث الأرواح البشرية وما يرتبط بذلك من تكاليف اقتصادية سيكون أعلى بكثير مما عليه الحال في البلدان الغنية.
"ينبغي أن يكون انعدام التأهب في البلدان منخفضة الدخل مصدر قلق لنا جميعا بغض النظر عن مدى ثراء البلد الذي نعيش فيه."
الدكتور مارك سبرينغر، مدير أمانة مقاومة مضادات الميكروبات، منظمة الصحة العالمية
ينبغي أن يكون انعدام التأهب في البلدان منخفضة الدخل مصدر قلق لنا جميعا بغض النظر عن مدى ثراء البلد الذي نعيش فيه. ومقاومة مضادات الميكروبات لن تؤثر فقط على القدرة على علاج أمراض مثل الملاريا أو السل التي قد يعتقد الكثيرون أنها تظهر في أفقر مناطق العالم. والبكتيريا المقاومة ستتحدى قدرتنا على علاج النساء أثناء الولادة، والأشخاص الذي يخضعون لعمليات جراحية، أو الذين يتلقون العلاج الكيميائي للسرطان. وفي العالم المعولم الذي نعيش فيه الآن تنتشر الجراثيم بسهولة ولا تعرف أي حدود وطنية.
فكيف يمكننا إذا أن ندعم جميع البلدان لكي تكون على مستوى أفضل من التأهب؟ تقدم منظمة الصحة العالمية التدريب والدعم للعديد من البلدان، ولكن أملي هو أن ينخرط شركاء التنمية الآخرون في دعم التنفيذ في البلدان منخفضة الدخل. وهناك العديد من المشاكل الأكثر إلحاحا في هذه البلدان، ولكن عدم معالجة مقاومة مضادات الميكروبات على الفور يهدد استدامة التقدم المحرز مؤخرا في النظم الصحية الهشة ويخلق خطرا عالميا.
وتظهر الدراسة الاستقصائية، كما كان متوقعا، أن تعزيز الاستجابة الصحية سيكون صعبا، ولكن التحدي الأكبر من ذلك سيكون بناء نظم قادرة على الصمود في قطاعات أخرى. لأن مقاومة مضادات الميكروبات ليست مجرد قضية صحية، بل هي قضية تنمية. ونحن بحاجة إلى الانخراط مع المعنيين بالتنمية لتعزيز النظم الصحية والزراعية والبيئية. وينبغي للحكومات ووكالات التنمية والمصارف على المستوى الوطني أن تستثمر الآن في خطط العمل الوطنية لمنع تأثير أكبر على الصحة والتنمية الاقتصادية والإنتاج الحيواني.
والخبر السار هو أننا نعرف كيفية الحد من مقاومة مضادات الميكروبات. فنحن بحاجة إلى تقليل الحاجة إلى مضادات الميكروبات من خلال الممارسة السريرية الجيدة، والتمنيع، وتحسين جودة المياه والصرف الصحي والنظافة والتصحح، وتربية الحيوانات بطرق جيدة. كما أننا بحاجة إلى التأكد من أن هذه الأدوية تُستخدم بحذر أكبر في الإنسان والحيوان، من خلال تشخيص أفضل وفرص أفضل للحصول على الأدوية المناسبة، وتنظيم أفضل للمضادات الحيوية. ونحن بحاجة كذلك إلى نظام أفضل بكثير لرصد إمدادات الأدوية، والتأكد من أين تُشحن وكيف تُوزع ورصد انتشار العدوى المقاومة للأدوية في الإنسان والحيوان والإبلاغ عن ذلك.
إنه لغزٌ معقد، ولكنه لغز يمكننا حله ويجب علينا حله حفاظا على صحتنا وثرواتنا.