الديوكسينات

29 تشرين الثاني/نوفمبر 2023

حقائق رئيسية

  • الديوكسينات هي مجموعة من المركبات المتصلة من الناحية الكيميائية والتي تعتبر ملوّثات بيئية ثابتة.
  • توجد الديوكسينات في البيئة في جميع أنحاء العالم، وتتراكم في السلسلة الغذائية، ولا سيما في الأنسجة الدهنية للحيوانات.
  • تحدث أكثر من 90% من حالات تعرّض البشر للديوكسينات عن طريق الأغذية، ومن خلال اللحوم ومنتجات الألبان والأسماك والمحار بالدرجة الأولى.
  • الديوكسينات عالية السمية ويمكن أن تسبّب مشاكل متصلة بالإنجاب والنمو وتلحق الضرر بجهاز المناعة وتتداخل مع الهرمونات وتسبّب السرطان.
  • لدى جميع الناس خلفية تعرّض للديوكسينات، ومن غير المتوقع أن يؤدي ذلك إلى إلحاق الضرر بصحة البشر. ومع ذلك، بالنظر إلى القدرة العالية للديوكسينات على إحداث التسمّم، يلزم بذل جهود للحد من نسبة التعرّض الطبيعي الراهنة.
  • أحسن طريقة للوقاية من تعرّض البشر للديوكسينات أو الحد منه هي تلك التي تتم باتخاذ تدابير تتوخى مصدر ذلك التعرّض، أي فرض رقابة صارمة على العمليات الصناعية للحد من تشكُّل الديوكسينات.

لمحة عامة

الديوكسينات هي ملوّثات بيئية. وهي تنتمي إلى ما يسمى "المجموعة القذرة"- وهي مجموعة من المواد الكيميائية الخطرة تُعرف بالملوّثات العضوية الثابتة. وتثير هذه المواد قلقاً بسبب قدرتها العالية على إحداث التسمّم. وقد بيّنت التجارب أنّ تلك المواد تؤثر في عدد من الأعضاء والأجهزة.

وبإمكان الديوكسينات، بعد دخولها جسم الإنسان، الاستحكام مدة طويلة بسبب استقرارها الكيميائي وسهولة امتصاصها من قبل النسيج الدهني حيث يتم تخزينها. ويتراوح نصف عمرها بين 7 أعوام و11 عاماً. أمّا في البيئة فإنّ الديوكسينات تتراكم في السلسلة الغذائية. والجدير بالذكر أنّ تركيزها يزيد كلّما اعتلينا في سلّم تلك السلسلة.

والاسم الكيميائي للديوكسين هو: 2، 3، 7، 8- رباعي كلوروديبنزو بارا ديوكسين. وغالباً ما يُستخدم مصطلح "الديوكسينات" للإشارة إلى مجموعة المواد المتصلة من الناحيتين الهيكلية والكيميائية بمادتي ديبنزو بارا ديوكسين عديد التكلور وديبنزوفوران عديد التكلور. كما تندرج بعض مركبات بيفينيل عديد التكلور، التي تشبه الديوكسينات ولها الخصائص السامة ذاتها، ضمن مصطلح "الديوكسينات". وقد تم تحديد زهاء 419 نوعاً من المركبات ذات الصلة بالديوكسينات، غير أنّ ثمة 30 مركباً منها فقط يملك قدرة كبيرة على إحداث التسمّم، علماً بأنّ 2، 3، 7، 8-رباعي كلوروديبنزو بارا ديوكسين هو أكثرها سميّة.

مصادر التلوّث

تعد الديوكسينات، أساساً، منتجات ثانوية ناجمة عن العمليات الصناعية، ولكنها قد تنجم أيضاً عن العمليات الطبيعية، مثل حالات الثوران البركاني وحرائق الغابات. وهي منتجات ثانوية غير مرغوب فيها تنتج عن عمليات صناعية عديدة، بما في ذلك الصهر وتبييض عجينة الورق بالكلور وصناعة بعض مبيدات الأعشاب ومبيدات الهوام. وتمثّل أجهزة حرق النفايات غير المراقبة (النفايات الصلبة ونفايات المستشفيات)، في غالب الأحيان، أكبر مسبّبات الإطلاقات في البيئة نظراً لعدم اكتمال عمليات الحرق فيها. وهناك تكنولوجيات متاحة تمكّن من مراقبة حرق النفايات بطريقة لا تفرز إلاّ القليل من الديوكسينات.

وعلى الرغم من أنّ تشكُّل الديوكسينات يبقى عملية محلية، فإنّ توزيعها في البيئة بات من الظواهر العالمية. وتُسجّل أعلى مستوياتها في بعض التربة والرواسب والأغذية، وبخاصة منتجات الألبان واللحوم والأسماك والمحار. أمّا المستويات المنخفضة فتُسجّل في النباتات والماء والهواء.

وهناك، على الصعيد العالمي، عدد كبير من مخازن الزيوت التي تحتوي على مركبات بيفينيل عديد التكلور،علماً بأنّ الكثير من تلك الزيوت يتضمن مستويات عالية من وديبنزوفوران عديد التكلور. والجدير بالذكر أنّ تخزين تلك المركبات أو طرحها بطرق غير سليمة قد يتسبّب في إطلاق الديوكسينات في البيئة وتلوّث الإمدادات الغذائية التي يستخدمها البشر والحيوانات. ولا يمكن التخلّص، بسهولة، من النفايات التي تحتوي على مركبات بيفينيل عديد التكلور دون التسبّب في تلوّث البيئة وإلحاق أضرار بالبشر. وعليه يجب معالجة تلك المواد بالطريقة التي تُعالج بها النفايات الخطرة، وأفضل طريقة للقيام بذلك هي حرقها عند درجات حرارة عالية في المرافق المتخصصة.

حوادث التلوّث

تعمد بلدان كثيرة إلى رصد الديوكسينات في الإمدادات الغذائية. وقد مكّن ذلك من الكشف عن التلوّث في مراحل مبكّرة وإلى الحيلولة، في كثير من الأحيان، دون إحداث آثار أكبر. وفي كثير من الحالات، يحدث التلوث بالديوكسين عبر العلف الحيواني الملوث، على سبيل المثال تم تتبع حالات زيادة مستويات الديوكسين في الحليب أو العلف الحيواني والتي تعود إلى الطين، أو الدهون أو أقراص الكريات الحمضية المستخدمة في إنتاج العلف الحيواني.

وتم الإبلاغ عن معظم حالات التلوّث، على الرغم من احتمال تضرّر جميع البلدان من تلك الظاهرة، في البلدان الصناعية التي تُتاح فيها إمكانيات رصد تلوّث الأغذية وإذكاء الوعي بالمخاطر ذات الصلة وتحسين عمليات التنظيم.

كما تم الإبلاغ عن بضع حالات من التسميم البشري المتعمّد. وأبرز حادث من هذا النوع هو ذلك الذي تعرّض له الرئيس الأوكراني فيكتور يوتشينكو، في عام 2004، وأدّى إلى تشويه وجهه بالعدّ الكلوري.

الآثار على صحة الإنسان

قد يؤدي تعرّض البشر على المدى المتوسط لمستويات عالية من الديوكسينات إلى إصابتهم بآفات جلدية، مثل العدّ الكلوري أو اسمرار الجلد اللطخي، واختلال وظيفة الكبد. أمّا التعرّض لتلك الديوكسينات على المدى الطويل فيؤدي إلى حدوث اختلال في الجهاز المناعي والجهاز الصماوي وعرقلة تطوّر الجهاز العصبي والوظائف الإنجابية.

وقد أدّى تعرّض الحيوانات بصورة مستمرة للديوكسينات إلى إصابتها بأنواع سرطانية مختلفة. وتم تقييم رباعي كلوروديبنزو بارا ديوكسين من قبل الوكالة الدولية لبحوث السرطان التابعة لمنظمة الصحة العالمية في عام 1997 و2012. وتم، استناداً إلى بيانات الوبائيات الحيوانية والبشرية، تصنيف ذلك المركب من قبل الوكالة في خانة "المواد المعروفة التي تسبّب السرطان للبشر". غير أنّه لا يؤثر في المادة الجينية وهناك مستوى من التعرّض تكون مخاطر الإصابة بالسرطان دونه ضئيلة.

والجدير بالذكر أنّ لدى جميع الناس خلفية تعرّض للديوكسينات ومستوى معيّن منها في الجسم وذلك نظراً لانتشارها على نطاق واسع، ممّا يؤدي إلى ما يُسمى عبء الجسم. ومن غير المتوقّع، عموماً، أن يؤدي التعرّض للمستويات الطبيعية الراهنة إلى إلحاق أضرار بصحة البشر. غير أنّ من الضروري، بالنظر إلى ما يتسم به هذا الصنف من المركبات من قدرة عالية على إحداث التسمّم، بذل جهود للحد من نسبة التعرّض الطبيعي الراهنة.

تُعد الأجنة أكثر الفئات حسّاسية للديوكسينات. وقد يكون المولود الجديد، الذي تشهد أعضاء جسمه نموّاً سريعاً، أكثر استضعافاً إزاء بعض الآثار المعيّنة. كما قد يتعرّض بعض الأفراد أو مجموعات الأفراد لمستويات أعلى من الديوكسينات بسبب نظامهم الغذائي (الأفراد الذين يستهلكون الأسماك بكثرة في بعض مناطق العالم) أو أنشطتهم المهنية (مثل العاملين في صناعة اللّب والورق وفي مصانع الترميد ومواقع النفايات الخطرة وغير ذلك).

الوقاية من التعرّض والحد منه

إنّ حرق المواد الملوّثة بالطرق السليمة هو أفضل وسيلة للوقاية من التعرّض للديوكسينات والحد منه. ويمكّن حرق تلك المواد أيضاً من التخلّص من الزيوت التي تحتوي على مركبات بيفينيل عديد التكلور. وتتطلّب عملية الحرق درجات حرارة تزيد على 850 درجة سيلزيوس. وقد يتطلب التخلّص من كميات كبيرة من المواد الملوّثة درجات حرارة تصل إلى 1000 درجة سيلزيوس أو أكثر.

وأحسن طريقة للوقاية من تعرّض البشر للديوكسينات أو الحد منه هي تلك التي تتم باتخاذ تدابير تتوخى مصدر ذلك التعرّض، أي فرض رقابة صارمة على العمليات الصناعية للحد قدر الإمكان من تشكّل الديوكسينات. وتقع تلك المسؤولية على عاتق الحكومات الوطنية، ولكنّ هيئة الدستور الغذائي قامت، في عام 2001 باعتماد مدونة ممارسات لاتخاذ التدابير الرامية إلى الحد من تلوّث الأغذية بالمواد الكيميائية في المصدر (CAC/RCP 49-2001)، واعتمدت، في عام 2006، مدونة ممارسات للوقاية من تلوّث الأغذية والأعلاف بالديوكسينات ومركبات يفينيل عديد التكلور المشابهة للديوكسين، والحد منها (CAC/RCP 62-2006).

وتحدث أكثر من 90% من حالات تعرّض البشر للديوكسينات من خلال الإمدادات الغذائية، ومن خلال اللحوم ومنتجات الألبان والأسماك والمحار بالدرجة الأولى. لذلك تصبح حماية تلك الإمدادات من الأمور الحاسمة الأهمية. ويشمل أحد الأساليب المنتهجة لضمان تلك الحماية اتخاذ التدابير للحد من إصدار الديوكسينات في المصدر. ولا بد من الحيلولة دون تلوّث الإمدادات الغذائية، مجدداً، على طول السلسلة الغذائية. ولا بد من انتهاج مبادئ المراقبة والممارسات السليمة أثناء عمليات الإنتاج الأوّلية وعمليات المعالجة والتوزيع والبيع لضمان إنتاج أغذية مأمونة.

وغالباً ما تشكّل الأعلاف الحيوانية الملوثة السبب الجذري لتلوث الأغذية.

ويجب وضع نُظم رصد تلوّث الأغذية لضمان عدم تجاوز المستويات التي يمكن تحمّلها. وتقع على عاتق مُنتِجي الأعلاف والأغذية مسؤولية التأكُّد من استخدام مواد خام وعمليات مأمونة أثناء الإنتاج، ومن الأدوار المنوطة بالحكومات الوطنية رصد سلامة الإمدادات الغذائية واتخاذ الإجراءات اللازمة لحماية الصحة العمومية. وينبغي للبلدان، عند اشتباهها في تلوّث من هذا القبيل، امتلاك خطط للطوارئ تمكّن من تحديد الأعلاف والأغذية الملوّثة وحجزها والتخلّص منها. كما ينبغي فحص الفئات السكانية التي تتعرّض لها لتحديد مدى تعرُّضها (مثل قياس الملوّثات في الدم أو الحليب البشري) والآثار المترتبة عليه (مثل الترصد السريري للكشف عن علامات اعتلال الصحة).

ما الذي ينبغي للمستهلكين فعله للحد من مخاطر التعرّض؟

قد يسهم نزع الشحم من اللحوم أو استهلاك منتجات الألبان المخفضّة الدهون في الحد من درجة التعرّض لمركبات الديوكسينات. كما يساعد النظام الغذائي المتوازن (الذي يشمل كميات مناسبة من الفواكه والخضر والحبوب) على تجنّب التعرّض بشكل مفرط لتلك المواد من مصدر واحد. وتدخل تلك الإجراءات في إطار استراتيجية طويلة الأجل ترمي إلى الحد من أعباء الجسم، وهي ربّما أنسب الاستراتيجيات التي ينبغي للصبيات والفتيات انتهاجها بغية الحد من تعرّض أحمالهن لتلك المركبات ولدى إرضاع أطفالهن في المستقبل. غير أنّ الإمكانية المتاحة أمام المستهلكين للحد من تعرّضهم لتلك المركبات محدودة.

قياس الديوكسينات في البيئة والأغذية

يقتضي تحليل الديوكسينات الكيميائي والكمّي توفير وسائل معقدة لا تتوافر إلاّ في عدد محدود من المختبرات في شتى أنحاء العالم. والجدير بالذكر أنّ تكاليف تلك التحاليل مرتفعة جداً وتختلف باختلاف أنوع العيّنات.

ويجري، بشكل مطّرد، استحداث وسائل (قائمة على الخلايا أو الأضداد) تمكّن من إجراء فحص بيولوجي، ويتزايد إقرار استخدامها في تحليل عيّنات الأغذية والأعلاف. وتتيح تلك الوسائل إجراء المزيد من التحاليل بتكلفة أقل، وفي حال خلوص تلك التحاليل إلى نتائج إيجابية يجب تأكيدها بإجراء تحاليل كيميائية أكثر تعقيداً.

استجابة المنظمة

نشرت المنظمة في عام 2015 التقديرات الأولية للعبء العالمي للأمراض المنقولة عن طريق الأغذية. وفي هذا السياق، خضعت للدراسة آثار الديوكسينات على الخصوبة ووظيفة الغدة الدرقية، وتَبيَّن أنّ التعرُّض للديوكسينات يُسهِم إسهاماً كبيراً في عبء الأمراض المنقولة عن طريق الأغذية على الصعيد العالمي، ولا سيما فيما يتعلق بالخصوبة ووظيفة الغدة الدرقية.

وعقدت المنظمة مجموعة من الاجتماعات على مستوى الخبراء بغية تحديد المدخول المحتمل من الديوكسينات. وفي عام 2001، أجرت لجنة الخبراء المشتركة بين منظمة الأغذية والزراعة ومنظمة الصحة العالمية والمعنية بالمضافات الغذائية تقييماً شاملاً ومحدثاً للمخاطر المرتبطة بمركبات ديبنزو بارا ديوكسين عديد التكلور وديبنزوفوران عديد التكلور ومركبات بيفينيل عديد التكلور "التي تشبه الديوكسينات".

وعمدت منظمة الصحة العالمية، بالتعاون مع منظمة الأغذية والزراعة ومن خلال هيئة الدستور الغذائي، إلى وضع مدونة الممارسات للوقاية من تلوّث الأغذية والأعلاف بالديوكسين ومركبات يفينيل عديد التكلور المشابهة للديوكسين. وتوفر هذه الوثيقة للسلطات الوطنية والإقليمية ما يلزم من إرشادات لاتخاذ التدابير الوقائية ذات الصلة.

وعمدت المنظمة، من خلال مشاورات الخبراء، إلى وضع عوامل التكافؤ السميّ الخاصة بالديوكسينات والمركبات ذات الصلة، وإعادة تقييمها بانتظام. وأُجري آخر تحديث لقيم عوامل التكافؤ السميّ الصادرة عن المنظمة في عام 2022، وتنطبق هذه القيم على البشر والثديات والطيور والأسماك.