الرعاية الملطفة هي نهج يحسّن نوعية حياة المرضى (البالغين والأطفال) وأُسرهم ممن يواجهون مشاكل مرتبطة بأمراض تهدد حياتهم. وهي تتيح توقّي المعاناة وتخفيفها بفضل التعرّف المبكر على الألم وغيره من المشاكل، سواء كانت بدنية أو نفسية اجتماعية أو روحية، وتقييمها وعلاجها على نحو سليم.
وتنطوي معالجة المعاناة على مراعاة مسائل تتجاوز مجرد الأعراض الجسدية. وتستخدم الرعاية الملطفة نهج العمل الجماعي في دعم المرضى والقائمين على رعايتهم. ويشمل ذلك تلبية الاحتياجات العملية وتقديم المشورة في حالة الفجيعة. وتوفر نظام دعم لمساعدة المرضى على العيش بأكبر قدر ممكن من النشاط حتى وفاتهم.
ويُعترف بالرعاية الملطفة صراحةً بموجب حق الإنسان في التمتع بالصحة. وينبغي أن تُقدَّم في إطار خدمات صحية متكاملة محورها الإنسان تولي اهتماما خاصا لاحتياجات كل فرد وتفضيلاته.
وتُلتمس الرعاية الملطفة لمجموعة واسعة من الأمراض. ومعظم البالغين الذين يحتاجون إلى الرعاية الملطفة يعانون من أمراض مزمنة مثل الأمراض القلبية الوعائية (38,5%) والسرطان (34%) والأمراض التنفسية المزمنة (10,3%) والإيدز (5,7%) وداء السكري (4,6%). وقد تتطلب العديد من الاعتلالات الأخرى رعاية ملطفة، بما فيها الفشل الكُلوي والأمراض الكبدية المزمنة والتصلب المتعدد وداء باركنسون والتهاب المفاصل الروماتويدي والأمراض العصبية والخرف وحالات الشذوذ الخلقي والسل المقاوم للأدوية.
ويعد الألم وصعوبة التنفس من أكثر الأعراض شيوعاً وخطورة لدى المرضى الذين يحتاجون إلى الرعاية الملطفة. وعلى سبيل المثال، فإن 80٪ من المرضى المصابين بالإيدز أو السرطان و67٪ من المرضى المصابين بمرض قلبي وعائي أو مرض الانسداد الرئوي المزمن سيعانون من ألم معتدل إلى شديد في نهاية حياتهم. وتعد المواد الأفيونية ضرورية للتدبير العلاجي للألم.
ويمكن للمواد الأفيونية أيضًا أن تخفف الأعراض الجسدية المزعجة الشائعة الأخرى، بما فيها ضيق التنفس. وتعد السيطرة على هذه الأعراض في مرحلة مبكرة واجبا أخلاقيا لتخفيف المعاناة واحترام كرامة الشخص.
عدم كفاية فرص الحصول على الرعاية الملطفة
تشير التقديرات إلى أن 40 مليون شخص يحتاجون سنويا إلى الرعاية الملطّفة، وأن 78% من هؤلاء يعيشون في البلدان المنخفضة الدخل والمتوسطة الدخل. ويعيش 98% من الأطفال الذين يحتاجون إلى الرعاية الملطفة في البلدان المنخفضة الدخل والمتوسطة الدخل، وما يقرب من نصفهم في أفريقيا.
وعلى الصعيد العالمي، يجب تخطّي عدد من العوائق الكبيرة حتى يتسنى تلبية الاحتياجات غير الملبّاة من الرعاية الملطفة:
- إن السياسات والنظم الصحية الوطنية لا تشمل إطلاقا الرعاية الملطفة في كثير من الأحيان؛
- يكون تدريب المهنيين الصحيين على الرعاية الملطفة محدودا أو غير موجود تماما في كثير من الأحيان؛
- إن فرص حصول السكان على مواد أفيونية لتخفيف الألم غير كافية ولا تفي بأحكام الاتفاقيات الدولية بشأن الحصول على الأدوية الأساسية.
وقد أظهر مسح بشأن الأمراض غير السارية أجرته منظمة الصحة العالمية في عام 2019 وشمل 194 دولة عضواً أن تمويل الرعاية الملطفة كان متاحا في 68% من البلدان المستجيبة، كما أفاد 40% من البلدان فقط بأن الخدمات أُتيحت لما لا يقل عن نصف عدد المرضى الذين هم بحاجة إليها (1).
ولاحظت الهيئة الدولية لمراقبة المخدرات أنّ 79 في المائة من سكان العالم، وبصورة خاصة سكان البلدان المنخفضة الدخل والمتوسطة الدخل، لم يستهلكوا في عام 2018 سوى 13 في المائة من إجمالي كمية المورفين المستخدمة في التدبير العلاجي للألم والمعاناة، وهو ما يعادل 1 في المائة من كمية المورفين الإجمالية المصنعة في العالم والبالغة 388 طنا. وعلى الرغم من أن ذلك يمثّل تحسّناً مقارنةً بعام 2014، حيث استهلك آنذاك 80 في المائة من سكان العالم 9,5 في المائة فقط من كمية المورفين المستخدمة في التدبير العلاجي للألم والمعاناة، إلا أن التفاوت في استهلاك العقاقير المخدرة لأغراض الرعاية الملطفة في البلدان المنخفضة الدخل والمتوسطة الدخل والبلدان المرتفعة الدخل لا يزال يمثّل مصدر قلق (2).
ومن بين العوائق الأخرى التي تعترض الرعاية الملطفة ما يلي:
- سوء فهم راسمي السياسات والمهنيين الصحيين والجمهور للرعاية الملطفة وللفوائد التي يمكن أن تجلبها للمرضى والنظم الصحية؛
- الحواجز الثقافية والاجتماعية، مثل المعتقدات المتعلقة بالموت والاحتضار؛
- المفاهيم الخاطئة بخصوص الرعاية الملطفة، مثل الاعتقاد بأنها لا تُقدّم إلا لمرضى السرطان، أو في الأسابيع الأخيرة من حياة المريض؛
- المفاهيم الخاطئة التي مفادها أن تحسين إتاحة المسكنات الأفيونية سيؤدي إلى زيادة تعاطي مواد الإدمان.
ماذا يمكن للبلدان أن تفعله؟
تقع على النظم الصحية الوطنية مسؤولية دمج الرعاية الملطفة في سلسلة خدمات الرعاية المقدمة إلى الأشخاص الذين يعانون من أمراض مزمنة أو مهددة للحياة، وربطها ببرامج الوقاية من المرض والكشف المبكر عنه وعلاجه. ويشمل ذلك، كحد أدنى، المكونات التالية:
- سياسات ونظم صحية تدمج خدمات الرعاية الملطفة في هيكل وتمويل نظم الرعاية الصحية الوطنية على جميع مستويات الرعاية؛
- سياسات ترمي إلى تعزيز الموارد البشرية وتوسيع نطاقها، بما في ذلك تلك المتعلقة بتدريب المهنيين الصحيين الحاليين، وإدماج الرعاية الملطفة في المناهج الدراسية الأساسية لجميع المهنيين الصحيين الجدد، فضلاً عن تثقيف المتطوعين والجمهور؛
- سياسة دوائية تضمن توافر الأدوية الأساسية للتدبير العلاجي للأعراض، لاسيما المسكنات الأفيونية المستخدمة لأغراض تخفيف الألم والضائقة التنفسية.
وتكون الرعاية الملطفة أكثر فعالية عند تقديمها في مراحل مبكرة من المرض. فالرعاية الملطفة المبكرة لا تحسّن نوعية حياة المرضى فحسب، بل تقلل أيضا من عدد حالات دخول المستشفى غير الضرورية واستخدام الخدمات الصحية.
ولابد أن تُقدم الرعاية الملطفة وفقاً لمبادئ التغطية الصحية الشاملة. وينبغي أن تُتاح لكل فرد، بصرف النظر عن دخله أو مرضه أو عمره، إمكانية الحصول على مجموعة من الخدمات الصحية الأساسية المحددة على الصعيد الوطني، بما فيها الرعاية الملطفة. ولابد أن تراعي نظم الحماية المالية والاجتماعية حق الإنسان، لاسيما الفئات السكانية الفقيرة والمهمشة، في الحصول على الرعاية الملطفة.
وينبغي تدريب القوى العاملة في مجال التمريض، لاسيما تلك التي تعمل مع المرضى المصابين بأمراض خطيرة، على مهارات الرعاية الملطفة، وذلك في إطار فرق متعددة تخصصات.
وتعد الرعاية الملطفة المتخصصة مكوناً من مكونات خدمات الرعاية الملطفة المقدمة. ولكن، لابد أن يُدمج في الرعاية الصحية الأولية والرعاية المجتمعية والمنزلية نظام للرعاية الملطفة يكون مستداما وعالي الجودة وفي المتناول، وأن يُدعّم مقدمو خدمات الرعاية مثل المتطوعين من الأسر وأفراد المجتمعات المحلية. وينبغي اعتبار توفير الرعاية الملطفة واجبا أخلاقيا على المهنيين الصحيين.
استجابة منظمة الصحة العامية
إن أدوية الرعاية الملطفة، بما فيها أدوية تخفيف الألم، مدرجة في قائمة الأدوية الأساسية وقائمة أدوية الأطفال الأساسية لمنظمة الصحة العالمية. وتحظى الرعاية الملطفة بالاعتراف في التفويضات والاستراتيجيات العالمية الرئيسية المتعلقة باللتغطية الصحية الشاملة، والأمراض غير السارية، والخدمات الصحية المتكاملة التي محورها الإنسان. ولقد صدرت في عام 2019 مبادئ منظمة الصحة العالمية التوجيهية بشأن استخدام الأدوية والعلاج الإشعاعي في التدبير العلاجي للآلام الناجمة عن السرطان لدى البالغين والمراهقين (3).
وفي عام 2014، دعت جمعية الصحة العالمية في أول قرار عالمي من نوعه بشأن الرعاية الملطفة (القرار ج ص ع67-19) منظمة الصحة العالمية والدول الأعضاء إلى تحسين إتاحة خدمات الرعاية الملطفة باعتبارها عنصرا أساسيا من عناصر النظم الصحية، مع التركيز على الرعاية الصحية الأولية والرعاية المجتمعية/ المنـزلية. ويركز عمل المنظمة الرامي إلى تعزيز الرعاية الملطفة على المجالات التالية:
- دمج الرعاية الملطفة في جميع الخطط العالمية المتعلقة بمكافحة الأمراض وبالنُظم الصحية؛
- وضع مبادئ توجيهية وأدوات بشأن دمج الرعاية الملطفة في جميع فئات الأمراض ومستويات الرعاية، ومعالجة المسائل الأخلاقية المتعلقة بتوفير الرعاية الملطفة الشاملة؛
- دعم الدول الأعضاء في تحسين إتاحة أدوية الرعاية الملطفة من خلال تحسين الأنظمة الوطنية ونظم تقديم الخدمات؛
- التركيز بشكل خاص على الرعاية الملطفة المقدمة للأشخاص المتعايشين مع فيروس العوز المناعي البشري، بما في ذلك وضع مبادئ توجيهية بهذا الشأن؛
- تشجيع زيادة فرص حصول الأطفال على الرعاية الملطفة (بالتعاون مع اليونيسيف)؛
- رصد إتاحة الرعاية الملطفة على الصعيد العالمي وتقييم التقدم المحرز في برامج الرعاية الملطفة؛
- وضع مؤشرات لتقييم خدمات الرعاية الملطفة؛
- تشجيع توفير موارد كافية للبرامج والبحوث المتعلقة بالرعاية الملطفة، لاسيما في البلدان المحدودة الموارد؛
- تكوين بيّنات بشأن نماذج الرعاية الملطفة الفعالة في البلدان المنخفضة الدخل والمتوسطة الدخل.
(1) تقييم القدرات الوطنية على الوقاية من الأمراض غير السارية ومكافحتها: تقرير عن المسح العالمي لعام 2019. جنيف: منظمة الصحة العالمية؛ 2020. الترخيص: CC BY-NC-SA 3.0 IGO. (بالإنكليزية).
(2) تقرير الهيئة الدولية لمراقبة المخدرات لعام 2019 (E/INCB/2019/1) (بالإنكليزية).
https://www.incb.org/documents/ Narcotic-Drugs/Technical-Publications/2019/Narcotic_Drugs_Technical_Publication_2019_web.pdf
(3) مبادئ منظمة الصحة العالمية التوجيهية بشأن استخدام الأدوية والعلاج الإشعاعي في التدبير العلاجي للآلام الناجمة عن السرطان لدى البالغين والمراهقين. (بالإنكليزية).
https://www.who.int/publications/i/item/who-guidelines-for-the-pharmacological-and-radiotherapeutic-management-of-cancer-pain-in-adults-and-adolescents