إن طريقة انتقال فيروس جديد إلى البشر هي أحد أكبر الألغاز التي قد يأمل أخصائيو الوبائيات فكها.
وتسبب الجراثيم أو الفيروسات الحيوانية المنشأ بعض الأمراض البشرية الأكثر شيوعاً وفتكاً.
وقد تعزّز هذا الاتجاه في العقود الأخيرة، إذ ينشأ 70 في المائة من المُمرضات المستجدة والممرضات التي تعاود الظهور عن الحيوانات حسب التقديرات.
ويشمل ذلك أنفلونزا الطيور ومرض فيروس الإيبولا والأنفلونزا والجذام وحمى لاسا وفيروس كورونا المسبب لمتلازمة الشرق الأوسط التنفسية وداء الكلب والمتلازمة التنفسية الحادة الوخيمة والجدري والسل والحمى التي يسببها فيروس زيكا وأمراضاً أخرى معروفة.
وطريقة انتقال مرض معد من الحيوان إلى الإنسان لغز قد يستغرق فكه سنين طويلة.
ومع ذلك، من الأساسي إدراك كيفية بدء ظهور وباء ما للحيلولة دون معاودة انتقاله إلى البشر.
ومنذ الكشف عن أول بؤرة لحالات الإصابة بالالتهاب الرئوي غير النمطي في ووهان في الصين، شرعت المنظمة في البحث عن بيّنات على طريقة انتقال الفيروس، الذي أحدث بلبلة على نطاق العالم، من الحيوان إلى الإنسان في الأصل.
وعلى الرغم من أن أولوية الصحة العامة كانت ولا تزال إرساء استجابة سريعة وشاملة وفعالة لوقف انتقال الفيروس بين البشر بهدف إنقاذ الأرواح، فإن قدرتنا على الوقاية من الجوائح المقبلة والتصدي لها تعتمد على تحديد المستودعات الطبيعية والكائنات المضيفة الوسيطة لفيروس كورونا-سارس-2 والأحداث الطبيعية التي دفعت فيروس كورونا المستجد على الساحة العالمية.
وقد سلطت المنظمة في أول مؤتمر صحفي عقدته بشأن فيروس كورونا المستجد في 14 كانون الثاني/ يناير الأضواء على أهمية العثور على المستودع الحيواني لهذا الفيروس.
وأثناء أول اجتماع للجنة الطوارئ المعنية بمرض كوفيد-19، اتصلت إحدى المسائل الرئيسية المطروحة بكيفية تحسين فهم البحوث الوبائية الجارية في ووهان حول الحالات الأولى للإصابة بالعدوى المكشوف عنها ومصدر هذه العدوى.
وأثار المدير العام مسألة تحديد منشأ الفيروس والكائنات المضيفة الوسيطة مباشرةً مع الرئيس شي جينبينغ أثناء زيارته إلى الصين في شهر كانون الثاني/ يناير.
كما أشارت التوصية بإعلان طارئة صحية عامة تسبب قلقاً دولياً التي صدرت عن لجنة الطوارئ وقبلها المدير العام في 30 كانون الثاني/ يناير إلى مسألة منشأ الفيروس.
وشمل اجتماع عالمي للبحث عقدته المنظمة في شباط/ فبراير هذه المسألة باعتبارها مجالاً ذا أولوية من مجالات البحث.
وأجرت المنظمة والجهات الشريكة لها مناقشات مع العلماء الصينيين الذين يجرون البحوث في ووهان واستعرضت بانتظام البيّنات مع علماء صينيين وغيرهم من العلماء الدوليين.
وفي شهر أيار/ مايو، اعتمدت جمعية الصحة العالمية الثالثة والسبعون القرار ج ص ع73-1 الذي يكلّف منظمة الصحة العالمية والمنظمة العالمية لصحة الحيوان ومنظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة والبلدان في إطار نهج الصحة الواحدة بما يلي:
"تحديد مصدر الفيروس الحيواني المنشأ وطريقة انتقاله إلى البشر، بما في ذلك الدور المحتمل للكائنات المضيفة الوسيطة، وذلك من خلال جهود تشمل البعثات الميدانية العلمية والتعاونية، للتمكين من القيام بتدخلات محددة الأهداف ووضع جدول أعمال بحثي للحدّ من مخاطر وقوع أحداث مماثلة، فضلاً عن تقديم إرشادات بشأن كيفية الوقاية من عدوى فيروس كورونا المسبب للمتلازمة التنفسية الحادة الوخيمة-2 (فيروس كورونا-سارس-2) لدى الحيوانات والبشر ومنع نشوء مستودعات جديدة للأمراض الحيوانية المنشأ، فضلاً عن الحد من تزايد مخاطر ظهور وانتقال الأمراض الحيوانية المنشأ."
وتعترف جميع الدول الأعضاء البالغ عددها 194 دولة بموجب هذا القرار بأهمية هذا العمل وتسند إلى المنظمة ولاية واضحة للاضطلاع بدور قيادي في هذا المجال.
وفي شهر تموز/ يوليو، ذهب خبراء من المنظمة إلى الصين لتحديد دور فريق التحقيق الدولي، أي استكشاف مصادر العدوى المحتملة لدى حالات الإصابة الأولى المبلّغ عنها في ووهان في كانون الأول/ ديسمبر 2019، ومحاولة تحديد حالات الإصابة البشرية السابقة عن طريق الدراسات الوبائية المصلية، وإجراء المزيد من الدراسات عن الحيوانات والبيئة.
وسترسي النتائج الأسس لإجراء دراسات في الأمد الأطول عن الكائنات المضيفة الوسيطة الحيوانية ومنشأ الفيروس وطريقة انتقال الفيروس إلى الإنسان. وقد تؤدي هذه البحوث الأولية إلى إجراء دراسات مماثلة في بلدان أخرى.
وقد شُكّل فريق التحقيق في أيلول/ سبتمبر ليضم علماء يمثلون مجموعة واسعة من الخبرات والجنسيات.
ويستعرض العلماء الدراسات الأولية ويضعون البروتوكولات والمواد للبحث ويخططون العمل داخل البلد في الوقت الحالي.
وقد عقد الفريق أول اجتماع له عبر الإنترنت مع نظرائه الصينيين في 30 تشرين الأول/ أكتوبر.
وكما تبيّن لنا من الفاشيات السابقة، فإن العثور على منشأ الفيروسات التي انتقلت من الحيوان إلى الإنسان أمر قد يستغرق أعواماً عديدة.
فقد استغرق تحديد الإبل ككائن مضيف وسيط أكثر من سنة بعد التبليغ عن أول حالة إصابة بشرية بفيروس كورونا المسبب لمتلازمة الشرق الأوسط التنفسية.
ونظراً إلى نطاق جائحة كوفيد-19 وتعقيدها، فإننا نحتاج إلى إجراء مجموعة مستمرة وشاملة من التحقيقات العلمية في الصين وفي بلدان أخرى للعثور على الكائنات المضيفة الوسيطة ومنشأ الفيروس.
ولا بد لهذه الأعمال الدقيقة والصارمة من الاعتماد على ثقة عدة جهات فاعلة محلية ووطنية ودولية وتعاونها كي تتكلل بالنجاح.