معالي وزير الدولة لشؤون اسكتلندا، إيان موراي،
معالي الوزير ماري تود،
سعادة نائب المستشار والمدير، البروفيسور السير بيتر ماثيسون،
سعادة نائب المدير، البروفيسور ديفيد أرجيل،
سعادة مديرة معهد آشر، البروفيسورة كاثي سودلو،
عائلة آشر، يشرفنا جدا لقاؤكم – صلة تمتد 100 عام.
أعضاء مجتمع جامعة إدنبرة المحترمين، الزملاء والأصدقاء الأعزاء،
صباح الخير، وشكراً للبروفيسور أرجيل على المقدمة اللطيفة للغاية.
كما أشكر الجميع في الجامعة على ترحيبكم وكرم ضيافتكم هذا الصباح.
وبالنيابة عن زملائي في منظمة الصحة العالمية، السابقين والحاليين، يشرفني ويسعدني أن أقبل جائزة إدنبرة الافتتاحية للتأثير الصحي العالمي.
إنه لشرف لي أيضا أن أنضم إليكم ونحن نفتتح مبنى آشر الجديد هنا في جامعة إدنبرة.
أنا سعيد جدا بالعودة إلى هذه الجامعة العظيمة، التي أفخر بكوني خريجاً فخرياً منها.
كما تعلمون جميعا، كانت جامعة إدنبرة، بتاريخها الممتد 442 عاماً، ساحة تدريب أكاديمية لكبار القادة في مجالي العلوم والسياسة والعديد من المجالات الأخرى، بمن فيهم تشارلز داروين وألكسندر جراهام بيل وصديقي العزيز رئيس الوزراء السابق جوردون براون.
وتتمتع الجامعة أيضا بتاريخ متميز من الابتكار الطبي، من تطوير جيمس يونغ سيمبسون لوسيلة التخدير بالكلوروفورم إلى إدخال جوزيف ليستر تقنيات التطهير في القرن التاسع عشر.
وفي الآونة الأخيرة تم تطوير أول لقاح معدل وراثيا ضد التهاب الكبد باء.
وفي أيامنا هذه، تضطلع جامعة إدنبرة، من بين إنجازاتها العديدة، بأبحاث متقدمة للغاية بشأن اللقاحات، بما في ذلك في مجالات الأمراض الالتهابية المزمنة، والجهاز المناعي الفطري، والتوازن المناعي والمناعة الذاتية.
ولذلك، من المناسب تماما، ومن دواعي الشرف الخاص، أن تعترف جائزة إدنبرة الأولى للتأثير الصحي العالمي بعمل منظمة الصحة العالمية في مجال تزويد الأطفال في جميع أنحاء العالم بإمكانية الحصول على اللقاحات المنقذة للحياة.
إن اللقاحات من بين أقوى الابتكارات في التاريخ.
فبفضل اللقاحات، تم القضاء على الجدري، وبتنا على مقربة من القضاء على شلل الأطفال.
وبفضل اللقاحات، أصبح من الممكن الآن الوقاية من أمراض فتاكة مثل الحصبة والإيبولا.
ومع لقاحات جديدة ضد الملاريا وسرطان عنق الرحم، يمكننا إنقاذ المزيد من الأرواح أكثر من أي وقت مضى.
إن اللقاحات تساعد الأفراد والأسر والمجتمعات والاقتصادات والأمم على الازدهار.
وكل دولار يستثمر في اللقاحات يحقق عائدا قدره 54 دولارا أمريكيا في صورة أطفالٍ أوفر صحةً، يتعلمون ويكسبون، ويصبحون علماء ومعلمين وسياسيين وفنانين ومبتكرين في المستقبل.
وقبل خمسين عاما، في عام 1974، أنشأت منظمة الصحة العالمية مبادرة رائدة لتوسيع نطاق الوصول إلى اللقاحات بشكل كبير، وهو برنامج التمنيع الموسع - المعروف اختصاراً باسم EPI.
وفي ذلك الوقت، كان أقل من 5٪ من أطفال العالم يحصلون على التطعيم. أما اليوم، فتبلغ نسبتهم 83٪.
ويرجع نجاح مبادرة التمنيع الموسع إلى العاملين الصحيين في كل بلد الذين ينفذون حملات التطعيم في المجتمعات المحلية، ويتعرضون أحيانا لمخاطر كبيرة.
حتى أن بعضهم فقد حياتهم أثناء التطعيم ضد شلل الأطفال في أفغانستان وباكستان، أو في فاشيات أخرى في مناطق غير آمنة.
ويعدّ برنامج التمنيع الموسع أيضا أساسا للوقاية من الجوائح والطوارئ والتأهب والاستجابة لها.
وشكّل البرنامج أيضاً أساس الاستجابة باللقاحات المضادة لكوفيد في العديد من البلدان، وهو البرنامج الذي يستجيب لتفشي الأمراض الأخرى التي يمكن الوقاية منها باللقاحات، يوما بعد يوم.
وبفضل هذا البرنامج، أصبحت فرصة بقاء الرضيع المولود اليوم على قيد الحياة حتى عيد ميلاده الأول أعلى بنسبة 40٪ مما كانت عليه قبل خمسين عاما.
ومنذ عام 1974، ساعد البرنامج في إنقاذ ما يقدر بنحو 154 مليون شخص من أمراض مثل الحصبة والكزاز والدفتيريا والالتهاب الرئوي.
ومنذ عام 2000، انخفضت وفيات الأطفال دون سن الخامسة بأكثر من النصف، مما يرجع بشكل كبير إلى قوة اللقاحات. وبالمناسبة، شهد عام 2000 ولادة تحالف غافي العالمي للقاحات أيضا.
ويرجع الفضل في جزء كبير من هذا النجاح إلى تحالف غافي العالمي، وهو شراكة ثورية بين منظمة الصحة العالمية واليونيسف والبنك الدولي والمجتمع المدني والصناعة وغيرها.
وبالأمس فقط كنت في بروكسل لحضور حدث تجديد موارد تحالف غافي العالمي.
وكما تعلمون جميعا، جاء ذلك في وقت صعب تواجهه الصحة العالمية، مع تراجع حاد في المساعدات، جاء بعد تعطل برامج التمنيع في العديد من البلدان بسبب جائحة كوفيد-19، والمعلومات المضللة حول مأمونية اللقاحات.
ونتيجة لذلك، تعود الأمراض الفتاكة القديمة لتطلّ برأسها، مثل الحصبة والدفتيريا.
ونحن ممتنون للغاية للمملكة المتحدة، التي كانت من أكثر البلدان الثابتة في تأييدها لكل من منظمة الصحة العالمية وتحالف غافي، وكانت أكبر جهة مانحة منفردة بمساهمتها يوم أمس.
وكما تعلمون جميعا، تأثرت منظمة الصحة العالمية أيضا بخفض المساعدات من الولايات المتحدة وبلدان أخرى، التي تخفض المساعدات الإنمائية الرسمية لتمويل زيادة الإنفاق على الدفاع - وهي من علامات عصرنا المحزنة.
وقد دأبنا منذ سنوات على تحويل المنظمة لجعلها أكثر فعالية وكفاءة.
وخفضنا تكاليفنا ونفذنا العديد من التدابير لجعل تمويلنا أكثر استدامة وأمانا على المدى الطويل.
ومع ذلك، ليس لدينا خيار الآن للأسف سوى توديع عدد كبير من الزملاء المتفانين والموهوبين.
وأنا مدرك تماما لأثر ذلك عليهم وعلى حياتهم المهنية وعائلاتهم.
وفي الوقت نفسه، تكمن الفرص في عمق كل أزمة، وأنا واثق من أن المنظمة ستخرج من هذا الوضع أقوى وأمضى وأكثر تركيزا على ولايتنا الأساسية، وأكثر تمكيناً لخدمة أمم العالم وشعوبه.
لكن بطبيعة الحال، فإن منظمة الصحة العالمية ليست سوى جزء صغير من صورة أكبر بكثير.
ففي جميع أنحاء العالم، أثر التراجع الكبير في المساعدات تأثيراً فادحاً على الخدمات الصحية في العديد من البلدان، وخاصة البلدان النامية.
فقد بتنا نشهد اضطرابات تؤثر على ملايين الأشخاص الذين لم يعد بإمكانهم الحصول على الخدمات والأدوية المنقذة للحياة، بما في ذلك اللقاحات؛ وهناك مرافق صحية تضطر إلى إغلاق أبوابها، وتتعطل سلاسل التوريد ونظم المعلومات؛ فيما يشهد الإنفاق الصحي من الجيب ارتفاعاً مطرداً.
وتدعم المنظمة البلدان في اجتياز هذه الأزمة والحفاظ على الخدمات الصحية.
ولكن مرة أخرى، تحمل الأزمة في طياتها فرصة.
فقد أخبرني العديد من وزراء الصحة أن هذه الأزمة يمكن أن تساعدهم أيضا على التخلي عن عصر الاعتماد على المساعدات والتحرك نحو الاعتماد المستدام على الذات، من خلال تعبئة الموارد المحلية.
وعلى صعيد اللقاحات، تدعم المنظمة البلدان والأقاليم لزيادة إنتاج اللقاحات المحلية، لا سيما في أفريقيا.
وكان أحد الدروس المستفادة من جائحة كوفيد-19 أن إنتاج اللقاحات والأدوات الأخرى كان يتركز في عدد قليل جدا من البلدان.
ومع إطلاق مسرّع تصنيع اللقاحات الأفريقي، تدعم منظمة الصحة العالمية الاتحاد الأفريقي لتحقيق هدفه المتمثل في إنتاج 60٪ من لقاحات القارة بحلول عام 2040.
وفي عام 2021، أنشأت المنظمة برنامج نقل تكنولوجيا الرنا المرسال، الذي يتقاسم الآن التكنولوجيا من مقرّه في جنوب أفريقيا مع 15 بلدا شريكا على مستوى العالم.
وفي عام 2023، أنشأنا أيضا مبادرة المنظمة لتدريب القوى العاملة في مجال التصنيع الحيوي، بما في ذلك مركز تدريب عالمي في جمهورية كوريا.
وتدعم المنظمة أيضا الحصول على اللقاحات من خلال برنامجنا للاختبار المسبق للصلاحية ومشورة فريق الخبراء الاستشاري الاستراتيجي المعني بالتمنيع التابع للمنظمة؛
وندعم تعزيز النُظم التنظيمية – حيث باتت رواندا وبوتسوانا وغانا مثلاً في طريقها لتحقيق المستوى الأعلى من المتانة التنظيمية.
كما ندعم توطيد المؤسسات الوطنية والقارية، بما في ذلك وكالة الأدوية الأفريقية ومركز مكافحة الأمراض والوقاية منها في أفريقيا، لأن تعزيز المؤسسات القارية من شأنه أن يدعم القارة.
وفي جمعية الصحة العالمية الشهر الماضي، صنعت دول العالم التاريخ باعتماد اتفاق منظمة الصحة العالمية بشأن الجوائح. فالتوصل إلى اتفاق بشأن الجوائح في خضم كل هذا التوتر الجيوسياسي هو في الواقع علامة على أن التعددية ما زالت حية وبصحة جيدة. وهو خبر جيد في خضم كل هذه الأزمات.
وتتمثل أحد عناصره الرئيسية في توصل البلدان إلى اتفاق لضمان الوصول العادل إلى اللقاحات في الجائحة القادمة، لأن ذلك كان أحد التحديات الرئيسية خلال جائحة كوفيد.
فقد كان التطوير السريع للقاحات آمنة وفعالة ضد كوفيد-19 انتصاراً للعلم، لكن الوصول غير العادل إلى تلك اللقاحات كان فشلاً عالمياً جماعياً كلّف العديد من الأرواح.
وقد أدركت الدول الأعضاء في المنظمة أنه في عالم تقسّمه السياسة والأيديولوجيا، لا تعترف الأمراض بالحدود - فهي لا تعترف بالخرائط التي نرسمها.
والتهديدات المشتركة تحتاج إلى استجابة مشتركة. وهذا يعني المساواة في اللقاحات، ليس للبعض، ولكن للجميع.
وقد تأسست منظمة الصحة العالمية في عام 1948، عندما خرج العالم من الدمار الذي خلفته الحرب العالمية الثانية.
ومنظمة الصحة العالمية، شأنها شأن الأمم المتحدة التي نحن جزء منها، ولدت من الاعتراف بأن البديل الوحيد للصراع العالمي هو التعاون العالمي.
وكان دستورنا أول صك للقانون الدولي يؤكد أن تحقيق أعلى مستوى صحي يمكن بلوغه هو حق أساسي لجميع الناس، دون تمييز. هو حق أساسي من حقوق الإنسان.
فهو ليس امتيازا للبعض، أو لمعظمهم. بل هو حق للجميع.
شكراً لكم على التزامكم بتعزيز الصحة للجميع وتوفيرها وحمايتها.
شكراً جزيلاً.