الرئيسة السابقة أمينة غريب فقيم،
معالي الوزيرة، مونيكا غارسيا،
السيدة نادية كالفينيو رئيسة بنك الاستثمار الأوروبي،
وأود أن أنوه بحضور جوزيف ستيغليتز وماريانا مازوكاتو.
أصدقائي، وخاصة رؤساء الوكالات الممثلة ههنا.
أصحاب السعادة والمعالي، الوزراء الموقرون، الزملاء والأصدقاء الأعزاء، مساء الخير (نطقها بالإسبانية). يشرفني أن تنضموا إلينا جميعاً اليوم.
وأعرب عن شكري لإسبانيا على توحيدها للعالم في هذه الأوقات العصيبة. وأهنئكم على تكليل انعقاد مؤتمر إشبيلية بشأن تمويل التنمية بالنجاح.
وقبل عقد من الزمان، عندما كنت وزيراً لخارجية إثيوبيا، ترأست اللجنة الرئيسية للمؤتمر الدولي الثالث لتمويل التنمية. لذا، أشعر وكأنني قد عدت إلى بلدي، لأن مسألة تمويل التتنمية تحظى باهتمامي الخاص.
وفي ذلك الوقت، أي في عام 2015، كانت الأمور كلها آخذة في التقارب من بعضها البعض: اتفاق باريس، وخطة عمل أديس أبابا لتمويل التنمية، وأهداف التنمية المستدامة - على سبيل المثال لا الحصر. ولكن الأمور تغيرت كثيراً منذ ذلك الحين.
فقد كانت خطة عمل أديس أبابا في ذلك الوقت التزاماً تاريخياً قطعته بلدان العالم دعماً لبلوغ الغايات الاقتصادية والصحية والبيئية من أهداف التنمية المستدامة.
واليوم أجد العالم مختلفاً جداً عن موقفه المتفائل قبل عشر سنوات مضت.
فعالم اليوم يشهد بأنحائه كافة تخفضيات هائلة في المساعدات تخلف آثاراً وخيمة على الخدمات الصحية في بلدان كثيرة، وخصوصاً منها البلدان النامية.
كما نشهد اضطرابات تؤثر على ملايين الناس الذين تفوتهم فرصة الحصول على الخدمات والأدوية المنقذة للأرواح. وتُجبر المرافق الصحية على الإغلاق؛ وتتعطل سلاسل الإمداد ونظم المعلومات؛ ويتزايد معدل إنفاق الناس من جيبهم الخاص على الصحة.
ورغم حدة هذه الأزمة التي يمر بها العالم الآن، فإنها أزمة طويلة الأجل في طور التكوين.
وهناك الكثير من النظم الصحية في أرجاء العالم بأسره تعاني منذ فترة طويلة من نقص مزمن في الاستثمارات الموظفة فيها.
ويعد مثلاً الإنفاق من الجيب الخاص على الصحة المصدر الرئيسي لتمويل قطاع الصحة في 27 بلداً أفريقياً.
وتتسبب في الوقت نفسه التكاليف المتكبدة عن سداد الديون في بلدان كثيرة في تقييد قدرتها على الاستثمار في مجال الصحة.
وشهد العالم في عام 2024 وجود نحو 3,4 مليار شخص ممّن يعيشون في بلدان تنفق على سداد فوائد الديون أكثر ممّا تنفقه على قطاعي التعليم والصحة مجتمعين.
وقد أسهمت هذه الظروف في اعتماد الكثير من البلدان على المساعدات بشكل كبير.
وفي الواقع، فإن المساعدات تجاوزت باستمرار منذ عام 2006 الإنفاق العام المحلي على الصحة في البلدان المنخفضة الدخل.
ولا يتدفق جزء كبير من هذه المساعدات عبر الخزانات الحكومية، بل من خلال نظم موازية أنشأتها الجهات المانحة، ممّا يجعل التخطيط للمستقبل والاضطلاع بأنشطة الميزنة أمراً مستحيلاً.
وقد تسبب هذا الاعتماد المفرط على المساعدات في ظهور أوجه ضعف عميقة تكشفت الآن.
على أن البلدان ماضية قدماً بخطى سريعة للتكيف مع الوضع.
وتظل هناك فرصة سانحة في ثنايا هذه الأزمة.
وقد أخبرني العديد من القادة، وخاصة وزراء الصحة، أن الاضطرابات الحالية تتيح المجال أمام مساعدتهم على التخلي عن حقبة الاعتماد على المساعدات والمضي قدماً صوب بلوغ مرحلة الاعتماد على الذات بشكل مستدام، بفضل تعبئة الموارد المحلية.
وتواصل المنظمة تزويد البلدان بالدعم اللازم لاجتياز هذه الأزمة وصون الخدمات الصحية الأساسية، والتكيف مع الواقع الجديد.
ويوجد أدوات كثيرة متاحة أمام البلدان لتحسين الكفاءة وتوليد إيرادات جديدة في مجال الصحة.
ومن أمثلتها فرض الضرائب على التبغ والكحول أو زيادة الضرائب المفروضة عليهما، أو تجميع المشتريات، وتطبيق خطة التأمين الصحي العام في القطاع غير الرسمي، والاستعانة بتقييم التكنولوجيا الصحية لكي تتمكن البلدان من جني أكبر الفوائد الصحية مقابل ما تنفقه من أموال.
والأهم من ذلك، يجب أن تحسن البلدان النظم المحلية للإيرادات والضرائب لتوليد تدفقات مستدامة من التمويل العام اللازم لقطاعي الصحة والتعليم والبنية التحتية والخدمات الحكومية الأساسية الأخرى.
ولكن مكاسب الكفاءة والإيرادات المولدة محلياً لن تكون كافية لوحدها لبلدان كثيرة ستلزمها قروض ميسرة لتقديم الدعم في مجال توظيف استثمارات أعلى مردودية بما يتماشى مع أولويات البلدان وتدفق الأموال عبر النظم القطرية.
ولتحقيق ذلك، يلزمنا تضافر للجهود فيما يتعلق بجميع مصادر تمويل الصحة، بما فيها المنح والقطاع الخاص والمصارف الإنمائية المتعددة الأطراف والتمويل المحلي، بحيث تتماشى جميعها مع أولويات الحكومة.
ويعني ذلك التخلي عن الأموال المخصصة بشكل كبير لكي تتمكن البلدان من تحديد أولوياتها بنفسها.
ولدى المنظمة وشركاؤها طائفة متنوعة من المبادرات الرامية إلى دعم البلدان في تحسين إعداد ميزانياتها الصحية وتنفيذها على أمثل نحو بفضل تعزيز نظم إدارة الشؤون المالية العامة.
وقد انضممنا إلى صندوق النقد الدولي ومجموعة البنك الدولي لدعم البلدان في بناء القدرات اللازمة للتأهب للجوائح من خلال مرفق القدرة على الصمود والاستدامة.
وقد أعلن هذا المرفق للتو عن إتاحة 700 مليون دولار أمريكي دعماً لجهود الأردن في معالجة مواطن الضعف الطويلة الأجل، بما فيها الطوارئ الصحية العامة والجوائح.
وهذا الترتيب هو الأول من نوعه الذي يوجّه هذه الأموال صوب تعزيز قدرة النظم الصحية على الصمود أمام الصعاب.
وبفضل تعاوننا مع بنك الاستثمار الأوروبي وصديقتي رئيسة البنك ناديا كالفينيو ومصارف إنمائية أخرى متعددة الأطراف، فقد أنشأنا منصة الاستثمار في الأثر الصحي.
وتكللت فعلاً هذه المبادرة بالنجاح في 16 بلداً - وأفضت إلى تحديد الاستثمارات الصحية ذات الأولوية وتقدير تكاليفها، ومساعدة الحكومات على وضع خطط استثمارية موثوقة دعماً لأولوياتها الصحية الوطنية.
===
زملائي وأصدقائي، لابد من وضع حد لطريقة التفكير في الاعتماد على المساعدات.
فالدور القيادي هو من يحدد الفرق بين الأزمة والفرصة - أي دورنا القيادي نحن جميعاً.
فأولاً، حان الوقت الآن لكي تتخلص قيادات الحكومات من نير الاعتماد على المساعدات وترسم طريقها صوب بلوغ مرحلة الاعتماد على الذات.
وثانياً، يلزمنا أن تضطلع الجهات المقرضة بدور قيادي يتخذ شكل منح قروض ميسرة بشروط منصفة.
فعندما تضطر البلدان المنخفضة الدخل إلى دفع مبالغ أكبر من البلدان المرتفعة الدخل لأجل الاقتراض، فإن هناك خلل ما في النظام.
وثالثاً، يلزمنا أن تضطلع الجهات المانحة السخية بدور قيادي في مجال بناء القدرات لكي يتسنى للبلدان أن تمسك بزمام الأمور وتدير البرامج الصحية بنفسها.
ولسنا بحاجة إلى دعم المشاريع المخصصة التي تختارها الجهات المانحة بعناية، بل إلى دعم للنظم والميزانيات والأولويات الوطنية، بما يتماشى مع خطة لوساكا والمبادئ المتعلقة "بخطة واحدة، ميزانية واحدة، تقرير واحد".
وتقف المنظمة على أهبة الاستعداد لدعم البلدان، والعمل مع شركائنا لتحويل هذه الأزمة إلى فرصة، وهو أمر يمكن تحقيقه.
وستسهم الخيارات التي نتخذها الآن في تشكيل مستقبل التمويل الصحي العالمي، ويجب أن نتخذ الخيارات الصحيحة فعلاً.
لأن الصحة في نهاية المطاف هي ليست تكلفة يتعين احتواؤها، بل هي استثمار تلزمه رعاية - استثمار في الناس وتحقيق الاستقرار والنمو الاقتصادي.
شكراً جزيلاً (نطقها بالإسبانية)، أشكركم.