صاحب السمو،
أصحاب السعادة والمعالي، الزملاء والأصدقاء الأعزاء،
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أعرب عن شكري لمؤتمر القمة العالمي للابتكار في مجال الرعاية الصحية ومؤسسة قطر على جمعنا معاً اليوم من أجل معالجة القضية الملحة لحماية الصحة أثناء النزاعات المسلحة.
فقد شهد مستشفى كمال عدوان الكائن في شمال غزة قتالاً عنيفاً وتعرض للحصار والغارات في الأسبوع الماضي، ليتحول بذلك من مستشفى يساعد مئات المرضى ويعمل فيه عشرات العاملين الصحيين إلى هيكل خاو.
وقبل أسبوعين أيضاً تعرض مرفق صحي في باكستان لهجمة أسفرت عن مقتل شرطي كان يحمي عاملي المرفق المعنيين بمكافحة شلل الأطفال الذين كانوا يستعدون لشن حملة تطعيم ضد المرض.
وبالأمس فقط، أُعدم مريضان أثناء شن هجمة على سيارة إسعاف تابعة لمنظمة أطباء بلا حدود كانت تقلهما في هايتي.
وأنا أتحدث لكم هنا عمّا حدث خلال هذا الشهر فقط.
فقد باتت الهجمات التي تشن على مرافق الرعاية الصحية "الوضع الطبيعي الجديد" السائد أثناء النزاعات.
ويبين التقرير الذي سنصدره اليوم، والذي اشتركت في إعداده المنظمة ومؤتمر القمة العالمي للابتكار في مجال الرعاية الصحية ومؤسسة قطر، أننا شهدنا على مدى السنوات الثلاث الماضية زيادة في معدلات تواتر شن الهجمات على مرافق الرعاية الصحية وحجم الهجمات ونطاق تأثيرها.
وإضافة إلى أفغانستان وغزة وهايتي، فقد تحققت المنظمة هذا العام من شن 1100 هجمة في كل من لبنان وميانمار والسودان وأوكرانيا وأماكن أخرى.
كما تحققت المنظمة، منذ أن بدأنا برصد الهجمات المشنة على مرافق الرعاية الصحية في عام 2018، من شن أكثر من 7400 هجمة في 21 بلداً أو أرضاً أسفرت عن مقتل 2400 شخص وإصابة 5000 شخص آخرين من العاملين الصحيين والمرضى.
فهذه الهجمات تقتل الناس وتشوهها.
وتحرم الضعفاء من الخدمات الصحية التي تلزمهم عندما يكونون في أمس الحاجة إليها؛
وتدمر المستشفيات والعيادات وسيارات الإسعاف؛
وتقوض أمراً غير ملموس بقدر كبير ولكنه جوهري للغاية، ألا وهو الأمل.
وهذا هو بيت القصيد أحياناً: أن تُحبط روح الناس المعنوية ويُحطّ من قدرهم ويُجردوا من إنسانيتهم.
فمن يدفع ثمن هذه الهجمات؟ إنهم كبار السن؛ والأطفال؛ والحوامل؛ والأشخاص الذين يعانون من إعاقات، أو الأشخاص الذين يلزمهم علاج منتظم من السرطان أو الفشل الكلوي أو أمراض القلب.
ولنكن واضحين: فالهجمات التي تشن على مرافق الرعاية الصحية تشكل انتهاكاً للحق في الصحة والقانون الدولي كذلك، ويمكن أن ترقى إلى مستوى جرائم حرب أو جرائم ضد الإنسانية.
وحتى في حال إضفاء الطابع العسكري على المرافق الصحية – والذي يشكل في حد ذاته هجمة على مرافق الرعاية الصحية – فإن ذلك لا يعني أبداً حرمانها من حق الحماية بموجب القانون الإنساني.
ولكن لم يخضع أي أحد تقريباً للمحاسبة حتى الآن على هذه الانتهاكات.
فما فائدة القانون الدولي إن لم يُحترم ولم يُطبق؟
وأين أصوات من ينددون بهذه الهجمات من زعماء العالم؟
فالسكوت علامة الرضا، وإن لم يخضع أحد للمساءلة، فإن الهجمات المشنة على مرافق الرعاية الصحية ستزداد لا غير.
ويبين التقرير الذي سنصدره اليوم تسع توصيات عالمية ووطنية ومحلية لمحاسبة مرتكبي هذه الهجمات الشنيعة.
وهذه التوصيات موجهة إلينا جميعاً لكي نعمل بها: من حكومات ووكالات تابعة للأمم المتحدة ومنظمات دولية ومجتمع مدني ومنظمات غير حكومية وغيرها.
ولن أخوض في تفاصيلها؛ بيد أنني أشجعكم على قراءة التقرير بأنفسكم للاطلاع عليها.
ولكن لا تقرؤوه فحسب؛ بل تصرفوا على أساسه من اليوم، فكل فرد في هذه القاعة يستطيع أن يفعل شيئا لتنفيذ توصية واحدة أو أكثر من هذه التوصيات اعتباراً من الآن.
لأننا إن لم نفعل ذلك، فمن سيفعل؟
وفي نهاية المطاف، فإن السبيل الأفضل لوقف شن الهجمات على مرافق الرعاية الصحية هو وقف النزاعات الناشبة فيها.
فبمجرد وقف النزاعات الدائرة في غزة ولبنان والسودان وأوكرانيا، فإن الهجمات المشنة على مرافق الرعاية الصحية ستتوقف أيضاً.
فالسلام هو أفضل دواء.
شكراً جزيلاً (نطقها بالعربية)، شكراً لكم.