ختتمت جمعية الصحة العالمية الثامنة والسبعون (ج ص ع78)، وهي الاجتماع السنوي للدول الأعضاء في منظمة الصحة العالمية (المنظمة)، أعمالها يوم الثلاثاء الماضي في معرض إشادة قادة الصحة بالإنجازات الهائلة والتضامن العالمي.
وقد عُقدت الجمعية، وهي أعلى هيئة لصنع القرار في المنظمة، في الفترة من 19 إلى 27 أيار/ مايو تحت شعار "عالم واحد من أجل الصحة". ونظرت الدول الأعضاء في حوالي 75 بنداً وبنداً فرعياً شملت جميع مجالات الصحة وشاركت في مناقشات حية واعتمدت قرارات بالغة الأهمية لتحسين صحة الجميع.
وتحدث الدكتور تيدروس أدحانوم غيبريسوس المدير العام للمنظمة قائلاً: "لقد تردد استعمال كلمتي "تاريخي" و"معلم" بقدر مفرط، ولكنهما كلمتان مناسبتان تماماً لوصف جمعية الصحة العالمية لهذا العام. وإن اعتماد اتفاق الجوائح والموافقة على الزيادة المقبلة في الاشتراكات المقدرة، جنباً إلى جنب مع العديد من القرارات الأخرى التي اعتمدتها الدول الأعضاء، إنما هي إدلة تثبت للعالم أننا نستطيع التعاون معاً من أجل التصدي للنزاعات والانضواء تحت لواء الوحدة عوضاً عن الانقسام."
أول اتفاق من نوعه بشأن الجوائح في العالم: لإنصاف للجميع
اعتمدت الدول الأعضاء يوم 20 أيار/ مايو الاتفاق التاريخي للمنظمة بشأن الجوائح. وحظيت تلك اللحظة بتصفيق حار احتفالاً بمرور أكثر من ثلاث سنوات من المفاوضات المكثفة التي أجرتها على الاتفاق هيئة التفاوض الحكومية الدولية التي تضم الدول الأعضاء في المنظمة.
ويمثل اعتماد الاتفاق فرصة لا تتاح إلا مرة واحدة في كل جيل لحماية العالم من أن يكابد مرة أخرة المعاناة الناجمة عن جائحة كوفيد-19. ويهدف الاتفاق إلى تعزيز التنسيق والتعاون على الصعيد العالمي وتحقيق الإنصاف وإتاحة الخدمات في حال اندلاع الأوبئة في المستقبل، ويحترم في الوقت نفسه السيادة الوطنية للبلدان.
وستستند الدول الأعضاء خلال العام المقبل إلى هذا القرار في إجراء مشاورات بشأن نظام إتاحة المُمْرضات وتقاسم المنافع، وهو عبارة عن ملحق للاتفاق من شأنه أن يعزز الإنصاف في إتاحة التطورات الطارئة في الميدان الطبي.
التمويل المستدام: حماية مستقبل الصحة العالمية
في ظل الوضع المالي الآخذ في التغير، اتحدت الدول الأعضاء لحماية العمل الحاسم الأهمية الذي تضطلع به المنظمة من خلال موافقتها على الزيادة الثانية البالغة نسبتها 20٪ في الاشتراكات المقدرة. وبحلول الثنائية 2030-2031، ستشكل هذه الاشتراكات نسبة 50٪ من الميزانية الأساسية للمنظمة، لتزودها بذلك بتمويل يمكن التنبؤ به بقدر أكبر وأكثر متانة ومرونة.
ولم يتوقف التزام الجمعية بالتمويل المستدام عند هذا الحد؛ بل أن قادة الصحة تعهدوا، أثناء إقامة حدث رفيع المستوى لإعلان التبرعات على هامش انعقاد جمعية الصحة العالمية الثامنة والسبعين، بتقديم ما لا يقل عن 210 ملايين دولار أمريكي في الجولة الاستثمارية للمنظمة، وهي حملة لجمع التبرعات اللازمة لاستراتيجية المنظمة العالمية بشأن الصحة خلال السنوات الأربع المقبلة (برنامج العمل العام الرابع عشر). وإضافة إلى مبلغ 1,7 مليار دولار أمريكي الذي جُمع فعلاً في الجولة الاستثمارية، فإن هذه التعهدات تمثل خطوة كبيرة على طريق تحقيق التمويل المستدام للمنظمة. فقد اجتذبت الجولة الاستثمارية منذ تدشينها في أيار/ مايو 2024 جهات جديدة بلغ عددها 35 جهة - مما أسهم في تقريب المنظمة من بلوغ مرحلة توسيع قاعدة المانحين المتوخاة في برنامج عمل المدير العام بشأن التحول الجاري تنفيذه في المنظمة.
اتخاذ إجراءات من أجل الصحة: المقررات الإجرائية والقرارات الرئيسية
أبدت جمعية الصحة العالمية الثامنة والسبعون موقفاً حازماً إزاء معالجة القضايا الصحية الجارية وقابلاً للتكيف في مجال استهداف التهديدات والصراعات الناشئة. وشملت إنجازات الجمعية الكثير من مجالات الصحة وقامت الدول الأعضاء بما يلي:
- اعتماد قرار جديد يبرز الضرورة العالمية القصوى لتمويل الصحة؛
- وتأييد قرارات أخرى هي الأولى من نوعها على الإطلاق بشأن صحة الرئة والكلى، وتسليط الضوء على الاجتماعات المقبلة للجمعية العامة للأمم المتحدة التي ستركز اهتمامها على الأمراض غير السارية؛
- واعتماد قرار جديد بشأن القواعد والمعايير المسندة بالبينات العلمية بشأن السياسات الصحية وتنفيذها؛
- واعتماد غاية جديدة بشأن تقليل الآثار الصحية لتلوث الهواء إلى النصف بحلول عام 2040؛
- واعتماد قرار مبتكر لتعزيز التواصل الاجتماعي في ظل توافر بينات متزايدة تثبت ارتباطه بتحسين الحصائل الصحية وتقليل مخاطر الوفاة المبكرة؛
- واعتماد قرار بشأن مستقبل خال من الرصاص؛
- واعتماد قرار بشأن التصدي للأمراض النادرة، وحماية أكثر من 300 مليون شخص في العالم من المتعايشين مع مرض واحد من هذه الأمراض النادرة التي يزيد عددها على 7000 مرض؛
- والموافقة على توسيع نطاق أحكام المدونة الدولية لقواعد تسويق بدائل لبن الأم لمعالجة مسألة تنظيم التسويق الرقمي للحليب الصناعي وأغذية الأطفال؛
- واعتماد قرار بشأن تسريع وتيرة استئصال داء الدودة الغينية.
كما اعتمدت الجمعية قرارات أخرى بشأن كل من الصحة الرقمية، والقوى العاملة في مجالي الصحة والرعاية، والتصوير الطبي، والتمريض والقبالة، والعاهات الحسية، والأمراض الجلدية، من بين أمور أخرى. وحُدّدت كذلك حملتان صحيتان رسميتان جديدتان من حملات المنظمة، هما: اليوم العالمي لسرطان عنق الرحم واليوم العالمي للخداج.
تعزيز التأهب للطوارئ الصحية والاستجابة لها
ناقشت أيضاً جمعية الصحة العالمية عمل المنظمة أثناء الطوارئ الصحية. وكانت المنظمة قد استجابت طوال العام الماضي لنحو 51 طارئة مصنفة عبر أنحاء 89 بلداً وإقليماً، بحيث شملت فاشيات من الكوليرا وجدري القردة (الإمبوكس) في العالم، وشكلت طوارئ صحية عامة تثير قلقاً دولياً - فضلاً عن استجابتها لعدة أزمات إنسانية. وبفضل عمل المنظمة مع أكثر من 900 جهة شريكة في 28 مجموعة من مجموعات الصحة، فقد مدت يد العون في تقديم المساعدة الصحية إلى 72 مليون شخص في ظل أوضاع إنسانية سيئة. وبلغت نسبة الطوارئ الجديدة المرتبطة بالمناخ 60٪ تقريباً، ممّا يبرز الآثار المتزايدة لتغير المناخ على الصحة.
كما قامت الدول الأعضاء أثناء انعقاد الجمعية بما يلي:
- النظر في المسائل المتعلقة بعمل المنظمة أثناء الطوارئ الصحية، والإشادة بدور المنظمة القيادي في هذا المجال؛
- والإحاطة علماً بتقرير المدير العام للمنظمة عن تنفيذ إطار الوقاية من الطوارئ الصحية والتأهب لمواجهتها والاستجابة لها والصمود أمامها، والإعراب عن تأييدها لتعزيز الهيكل العالمي؛
- والنظر في الاحتياجات الصحية لسكان أوكرانيا والأرض الفلسطينية المحتلة؛
- والإحاطة علماً بتقرير المدير العام عن التقدم المحرز في تنفيذ اللوائح الصحية الدولية (2005)؛
- والموافقة على مقرر إجرائي بخصوص تعزيز قاعدة البحوث بشأن تدابير الصحة العامة والتدابير الاجتماعية اللازمة لمكافحة فاشيات الأمراض.