تُعَدّ الأزمة السورية واحدة من أكبر وأعقد الطوارئ الإنسانية على مستوى العالم. وكان للصراع الممتد لثماني سنوات أثره البالغ على نظام صحي كان يوماً من بين الأفضل في المنطقة. وفيما يلي ثمانية جوانب تجدر معرفتها حول الكيفية التي تعمل بها منظمة الصحة العالمية في سوريا للحفاظ على الأرواح ودعم الصحة رغم ضخامة التحديات.
1- كشف فاشيات الأمراض والتصدي لها
نتيجة الانخفاض الخطير لمعدلات التطعيم في بعض المناطق، إلى جانب الانهيار في نظم المياه والصرف الصحي وبؤر سوء التغذية، تتواتر فاشيات الأمراض المميتة في سوريا بمعدلات أكبر.
ويساعد كشف الفاشيات في وقت مبكر وسرعة التصدي لها على إنقاذ الأرواح. وتدعم المنظمة أكثر من 1700 مرفق للرعاية الصحية تقوم بالإبلاغ عبر نظام للإنذار المبكر بالأمراض. وخلال العام الماضي، تم كشف فاشيات للحصبة والتهاب الكبد A وحمى التيفود وقمعها على وجه السرعة.
وكان قد تبيّن وجود حالة فيروس منتشر لشلل الأطفال المشتق من اللقاحات من النمط 2 في محافظة دير الزور في عام 2017. واستجابت المنظمة والشركاء بتعقب الفاشية بدقة، وإشراك جميع الأطراف في المناطق المصابة، وتنظيم حملات تطعيمات جماعية وصلت إلى 2.6 مليون طفل – حتى في مناطق الصراع الفعلي. وفي أواخر عام 2018، أُعلِن عن انتهاء الفاشية.
ولم يكن هذا الإنجاز ليتحقق بغير شجاعة وتفاني عشرات الآلاف من العاملين الصحيين المحليين.
2- تسليم الإمدادات الطبية رغم انعدام الأمن ودمار الطرق والعقبات البيروقراطية والقيود على الواردات
تعمل المنظمة داخل سوريا وعبر الحدود على إيصال مساعدات لإنقاذ حياة ملايين السوريين. وكان مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة قد أذن في عام 2014 بإيصال المعونات الإنسانية إلى سوريا من البلدان المجاورة وهي العراق والأردن وتركيا. وبذلك يمكن للمنظمة تقديم مساعدات لإنقاذ حياة ملايين السوريين في منطقة الشمال الغربي التي تمزقها الصراعات عبر عمليات يديرها المركز التابع لها في غازيانتيب، بتركيا.
وقامت المنظمة في عام 2018 بتسليم أكثر من 1.900 طن من الإمدادات والمعدات الصحية عبر سوريا، بما في ذلك كميات من الأدوية تكفي أكثر من 10 ملايين معالجة. وخلال هذا العام، سلّمت المنظمة إمدادات لبعض الفئات السكانية الأضعف في البلد، بما في ذلك مستوطنة الركبان في المنطقة الجنوبية الشرقية، ومعسكر الهول في المنطقة الشمالية الشرقية، ومنبج في المنطقة الشمالية الغربية.
وهذه الإمدادات تغير وجه الحياة. ففي حمص الشمالية، تعافت شمس التي يبلغ عمرها ستة أشهر من سوء التغذية. وفي حلب، تلقّت سلمى علاجاً لمساعدتها في الحفاظ على صحتها بعد أن وضعت طفلها الأول. وباتت نور، البالغة 11 عاماً من العمر، والتي نزحت إلى دمشق، قادرة الآن على تلقّي علاج للصرع. ويحصل أحمد الذي يبلغ عمره عامين وهو من الرقة على علاج لإنقاذ حياته من مرض السرطان.
3- الاستعانة بأفرقة متنقلة للوصول إلى الفئات السكانية الضعيفة
هناك أكثر من 6.2 مليون من الأطفال والنساء والرجال نازحون داخل سوريا. ويشمل ذلك قرابة 900.000 شخص يعيشون في أماكن هي بمثابة "الملاذ الأخير" مثل المعسكرات أو المراكز الجماعية. ويمكن للمنظمة الوصول إلى هذه الفئات السكانية الضعيفة بعدة طرق من بينها تقديم خدمات الرعاية الصحية الأساسية لهم عبر عيادة متنقلة. وهذه الشاحنات المعدّلة خصيصاً مجهزة بغرف منفصلة للفحوص والإجراءات الطبية ويعمل بها عادةً أطباء وممرضون ومساعدون صيدلانيون. وهي شريان للحياة في المناطق النائية أو الأماكن التي دُمِّرت المرافق الصحية العمومية بها.
وقد تبرعت المنظمة في عام 2018 بثماني عيادات متنقلة لمناطق تعاني من تدنّي الخدمات. كما قدمت المنظمة 36 سيارة إسعاف دعماً لخدمات الإحالة وللمساعدة على ضمان إمكانية نقل المرضى ذوي الحالات الحرجة والجرحى إلى المستشفيات على وجه السرعة. وتم إيفاد أفرقة طبية إلى المعسكرات وسائر المناطق ذات الأولوية. وإضافةً إلى ذلك، يقدم المركز التابع للمنظمة في غازيانتيب الدعم إلى 16 من الأفرقة المتنقلة للوصول إلى المناطق الريفية، بما في ذلك أربع أفرقة مخصصة للصحة النفسية. ويمكن للأفرقة المتنقّلة التوجّه حيثما تكون هناك حاجة إليها والاستجابة بسرعة للأوضاع المتغيرة.
4- استعادة الرعاية الصحية المحلية
يحتاج 13.2 مليون شخص إلى مساعدات صحية في سوريا، لكن الملايين يفتقرون إلى سبل الحصول عليها. ونتيجة الهجمات أو نقص العاملين، لا تتجاوز نسبة المرافق الصحية العمومية العاملة بكامل طاقتها في سوريا قرابة النصف. ومع وجود ما يربو على 80% من السكان ممن يعيشون تحت خط الفقر، لا يقدر كثير من الأشخاص الذين يحتاجون إلى رعاية صحية على تحمّل تكلفة الانتقال للوصول إلى مرافق الرعاية الصحية المجهزة تجهيزاً ملائماً أو المتخصصة.
وتقدم المنظمة يد المساعدة لإعادة خدمات الرعاية الصحية المحلية. وقامت المنظمة في عام 2018 بإعادة تأهيل ثلاثة مراكز للرعاية الصحية الأولية في حلب وريف دمشق ، ومركز للسل في حلب. وساعدت المنظمة أيضاً تسع مستشفيات في المنطقة الشمالية الشرقية من سوريا على استئناف خدماتها. فتوافر خدمات الرعاية الصحية يحدّ من انتشار الأمراض، وينقذ أرواح الأمهات والأطفال، ويقلل الوفيات الناجمة عن الأمراض غير السارية. كما تساعد إعادة الرعاية الصحية المحلية على تحسين معدلات التطعيم وتقللّ الحاجة إلى حملات التطعيم الجماعي المكلّفة والمنطوية على تحديات لوجستية.
5- تدريب العاملين الصحيين
أسهمت عمليات النزوح الجماعي للسكان في تقليص العاملين الطبيين المؤهلين في سوريا بصورة هائلة . ففي إدلب وحلب على سبيل المثال لا تتجاوز نسبة إتاحة العاملين في مجال الرعاية الصحية لكل 10.000 شخص 26% مما يحدده مؤشر أهداف التنمية المستدامة. وهو ما يؤثر بصفة خاصة على الخدمات المتخصصة مثل طب الأمراض الباطنية والقلب ورعاية الأمراض المزمنة. وقامت المنظمة في عام 2018 بتدريب 30.865 شخص على طائفة واسعة من المواضيع للمساعدة في التغلّب على هذه الثغرات.
6- إتاحة خدمات الصحة النفسية على نطاق أوسع
قبل اندلاع الأزمة، كانت الرعاية الصحية النفسية محدودة وقائمة على المؤسسات. ولم تكن خدمات الصحة النفسية متاحة سوى في مدينتين فقط، مع عدد لا يتجاوز 70 من الأطباء النفسيين وعدد محدود من الأخصائيين النفسيين المتاحين لعدد من السكان كان يبلغ 22 مليون نسمة قبل الحرب. وبعد ثماني سنوات من الصراع، ازدادت احتياجات الصحة النفسية حالياً. وتشير تقديرات المنظمة إلى أنه نتيجة طول أمد التعرض للعنف، يعاني واحد من كل 30 شخصاً في سوريا من حالة صحية نفسية وخيمة مع إصابة واحد على الأقل من كل خمسة أشخاص بحالة صحية نفسية خفيفة إلى معتدلة. >
وفي المنطقة الشمالية الغربية من سوريا يوجد ثلاثة أطباء نفسيين مدرّبين فقط يعملون في الإقليم ومرفقان فقط يقدمان خدمات للمرضى الداخليين المصابين بحالات أمراض نفسية حادة ووخيمة. وتتولى المنظمة تدريب مقدمي الرعاية الصحية، وتقدم أدوية المؤثرات العقلية، وتوفر رواتب لاثنين من الأطباء النفسسين وتغطي تكاليف تشغيل أربعة أفرقة متنقلة ومستشفى متخصص.
وتقدم المنظمة الدعم في أنحاء البلد لإدماج خدمات الصحة النفسية في صلب الرعاية الصحية الأولية والمراكز المجتمعية. ويوفر أكثر من 520 من المرافق الصحية في سوريا الآن خدمات دعم الصحة النفسية والدعم النفسي الاجتماعي. وتم في عام 2018 القيام بأكثر من 430.000 تدخّل لتوفير الدعم الصحي النفسي والرعاية النفسية الاجتماعية.
7- دعم السوريين ذوي الإعاقة
مع امتداد أمد الصراع، يتنامى باستمرار عدد الأشخاص المصابين وذوي الإعاقة. وتشير التقارير إلى ارتفاع معدلات الإعاقة في بعض أجزاء سوريا حيث وصلت إلى 30% من السكان – أي ضعف المعدل العالمي. ويُتوقع أن يعاني 45% على الأقل من المصابين نتيجة الصراع من عاهة مستديمة تتطلب دعماً متخصصاً بعد انتهاء أعمال القتال بوقت طويل.
وتقوم المنظمة بشراء وتوزيع إمدادات لتركيب أطراف اصطناعية، وتعمل على ترميم مراكز إعادة التأهيل البدني المدمَّرة. وتساند المنظمة شريكاً تنفيذياً يدير خمسة مرافق صحية في شمال سوريا تقدم دعماً لإعادة التأهيل البدني والرعاية النفسية الاجتماعية. كما توفرالمنظمة التدريب لأخصائيي العلاج الطبيعي والتقنيين في مجال الأطراف الاصطناعية والتقويم لتمكين عدد أكبر من الأشخاص من الحصول على رعاية ذات جودة.
8- تعزيز التنسيق والكفاءة في مجال الصحة
تضطلع المنظمة بقيادة المركز الصحي في سوريا وتعمل بالتعاون مع مئات من الشركاء الدوليين والوطنيين لتنسيق تقديم المساعدات الصحية الإنسانية. ويساعد هذا الدور القيادي على تعزيز التنسيق والكفاءة وتأثير القطاع الصحي بوجه عام.