لا بد من محاربة أحد أكبر التهديدات الصحية في العالم: تغير المناخ

3 تشرين الثاني/نوفمبر 2023

مقال مشترك بقلم: الدكتور سلطان أحمد الجابر، الرئيس المعين لمؤتمر الأطراف في اتفاق الأمم المتحدة الإطاري بشأن تغير المناخ (COP28)، والدكتور ‫تيدروس أدهانوم غيبريسوس، ‬‫المدير العام لمنظمة الصحة العالمية‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬، والدكتورة فانيسا كيري، المبعوثة الخاصة لمنظمة الصحة العالمية المعنية بتغير المناخ والصحة، والمديرة التنفيذية لمنظمة "سيد غلوبال هيلث".

نواجه واحداً من أكبر التهديدات الصحية الماثلة أمام البشرية، تظل الحاجة الماسة إلى تنفيذ تدابير للتصدي لتغير المناخ هدفاً مُلِحَّا، بيد أنه لم يتحقق بعد.

فتغير المناخ يحدث الآن وآثاره محسوسة في أنحاء العالم كافة. وتشير تقديرات منظمة الصحة العالمية إلى أن حالة وفاة واحدة من كل أربع وفيات يمكن أن تُعزَى إلى أسباب بيئية يمكن الوقاية منها، وأن تغير المناخ يؤدي إلى تفاقم هذه المخاطر.

ويفرض تغير المناخ العديد من التحديات الصحية المعقدة، بدءاً من الظواهر الجوية المتطرفة وانتهاءً بانتشار الأمراض المُعديَة وتفاقم الحالات المزمنة. فهو أمر لا يمكن الوقاية منه باللقاحات، أو علاجه بالمضادات الحيوية. ولكننا نعلم أننا قادرون على التخفيف من آثاره.

فتقليل الانبعاثات في جميع القطاعات أمراً بالغ الأهمية في احتواء تغير المناخ والحفاظ على الدرجة والنصف درجة المئوية في متناول اليد. ولتحقيق هذه الغاية، لا بد من أن يعمل العالم على إزالة الكربون من نُظُم الطاقة به وخفض الانبعاثات بنسبة 43% على الأقل على مدى السنوات السبع المقبلة.

وإذا لم نتحرك، فإن تغير المناخ سوف يجتاح نُظُم العالم الصحية عمَّا قريب. وسوف تزداد الظواهر الجوية المتطرفة - مثل الجفاف والفيضانات وموجات الحر – في تواترها وشدتها مع ارتفاع درجة حرارة الكوكب. فعلى سبيل المثال، أدت فيضانات العام الماضي في باكستان إلى نزوح ثمانية ملايين شخص وتضرر 33 مليون شخص في المجمل.

ونعلم أن الأسوأ قادم. وبدون اتخاذ إجراءات جريئة وعاجلة، سيؤدي تغير المناخ إلى نزوح نحو 1,2 مليار شخص بحلول عام 2050، وفقا لتقديرات البنك الدولي. فتغير المناخ يعرِّض حياة الناس وسبل عيشهم للخطر في ظل كفاح النُظُم الغذائية العالمية من أجل إطعام هذا العالم المتنامي وتعرُّض مصادر المياه للخطر. ويؤدي تغير المناخ أيضاً إلى ارتفاع مفاجئ في معدلات الإصابة بالأمراض المُعديَة، مثل حمى الضنك والكوليرا، التي تعرِّض الملايين للخطر.

ويمكن أن تثمر التدابير الرامية إلى تقليل الانبعاثات منافع صحية كبيرة، ومنها خفض تلوث الهواء، الذي يودي بحياة سبعة ملايين شخص كل عام.

والعلاقة بين الصحة وتغير المناخ واضحة. والآن يتعين على المجتمع الدولي أن يعمل على تسريع عملية تحوُّل الطاقة بعيداً عن الوقود الأحفوري، وأن يعمل في الوقت ذاته على بناء القدرة على الصمود في مواجهة تغير المناخ.

ويتعين على المجتمع العالمي إدراك أن الاستثمار في القدرة على الصمود أمام تغير المناخ على المستوى المحلي يؤتي ثماره؛ إذ تشير تقديرات البنك الدولي إلى أن كل دولار يُنفَق على بناء القدرة على الصمود أمام تغير المناخ سيجلب عائداً متوسطاً قدره 4 دولارات أمريكية، حيث إن تحسين جودة الرعاية الصحية والبنية التحتية الأوسع نطاقًا يأتي بالنفع على المجتمعات المحلية ويكون له تأثيرات دائمة على قطاعات متعددة.

والأهم من ذلك، ستكون الخسائر فادحة إن لم نتحرك. فتغير المناخ يطال أثره بالفعل ما يقرب من نصف سكان العالم. وبحلول عام 2050، ومع سيناريو ارتفاع درجة الحرارة بمقدار درجتين مئويتين، سيتعرض عدد مرعب قدره 1,4 مليار شخص للإجهاد الحراري، غالبيتهم لأشد أشكاله خطورة.

ويجب أن تكون الصحة بنداً أساسياً ضمن خطة منصفة لمكافحة تغير المناخ، إذ إن أولئك الأقل قدرة على مواجهة آثار تغير المناخ هم أيضاً الأكثر عرضة للمعاناة. وبالفعل، أصبحت البلدان المنخفضة الدخل والمتوسطة الدخل تشعر بتأثيرات تغير المناخ أكثر من غيرها، على الرغم من أنها مسؤولة عن حصة صغيرة للغاية من الانبعاثات العالمية.

ولن تزداد هذه التفاوتات إلا سوءاً؛ فوفقا للبنك الدولي، يرتبط فإن ما يقرب من 40 في المائة من الفقر المرتبط بالمناخ سوف ينتج عن التأثيرات الصحية المباشرة مع خسارة الناس سبل عيشهم أو مواجهتهم ارتفاعات في النفقات الطبية. 

ولا يمكن ان يكون هذا المستقبل هو الواقع الذي ينتظرنا. ولهذا السبب ندعو الحكومات وأصحاب المصلحة الرئيسيين في جميع أنحاء العالم إلى أن يأتوا إلى مؤتمر الأمم المتحدة المعني بتغير المناخ (كوب28) بحلول طموحة تمنع وقوع هذه النتائج الصحية - وتساعد المتضررين بالفعل.

وفي مواجهة التهديدات الصحية الكبيرة، كما أظهرت لنا استجابة العالم لجائحة كوفيد-19، يمكن للبشرية أن تتحد وتتصدى للتحديات الأكثر خطورة- وذلك إذا اتحدنا وتحركنا وأوفينا بتعهداتنا. فلم يكن الأمر بهذا القدر من الأهمية في أي وقت مضى.

وسوف يستضيف مؤتمر الأمم المتحدة المعني بتغير المناخ هذا العام أول يوم مخصص للصحة على الإطلاق في الثالث من كانون الأول/ ديسمبر، وسيطلق نداءً حاسماً للعمل بدءًا بركيزتين أساسيين.

وسوف يستضيف يوم الصحة أول اجتماع وزاري للصحة المناخية. وقد عملنا بشكل وثيق مع عدد من الدول بوصفها بلداناً رائدة - ومنها البرازيل وملاوي والمملكة المتحدة والولايات المتحدة وهولندا وكينيا وفيجي والهند ومصر وسيراليون وألمانيا - لإعداد إعلان بشأن المناخ والصحة الذي سوف نطلقه خلال مؤتمر القمة العالمي للصحة هذا الأسبوع. وهذا الإعلان بشأن المناخ والصحة سيجعل الصحة ركيزة أساسية في خطة مكافحة تغير المناخ وجزءاً أساسياً من إرث مؤتمر الأمم المتحدة المعني بتغير المناخ (كوب28).

وندعو جميع الحكومات إلى التوقيع على الإعلان، لأننا نعلم أنه يمكننا معاً إرساء نُظُم صحة عامة قادرة على الصمود أمام تغير المناخ، وغير ذات أثر على المناخ، ومستدامة ومنصفة، وتعود بالنفع علينا جميعاً.

والركيزة الثانية، سيكون التمويل حافزاً رئيسياً في يوم الصحة أثناء مؤتمر الأمم المتحدة المعني بتغير المناخ (كوب28). فنحن لا نريد زيادة المبلغ الإجمالي لتمويل المناخ فحسب، بل نريد أيضاً الاستفادة من الاستثمارات المخصَّصة للصحة ودعمها. واليوم، يذهب إلى الصحة 2% فقط من تمويل التكيُّف و0,5% من التمويل المتعدد الأطراف في مجال المناخ.

وفي مؤتمر الأمم المتحدة المعني بتغير المناخ (كوب 28)، يمكننا المساعدة على إحداث تحوُّل جذري في البنية الأساسية لتمويل المناخ من أجل إحداث الأثر. ولذلك، ندعو المؤسسات المالية الدولية وبنوك التنمية المتعددة الأطراف إلى زيادة تدفق الأموال الميسرة إلى بلدان الجنوب، لتقليل المخاطر وجذب المزيد من رؤوس الأموال الخاصة، مع زيادة الحصة التي تذهب إلى التكيُّف المناخي - وإلى الصحة.

إننا أمام أزمة غير مسبوقة، وتوجد لدينا الحلول بالفعل لمواجهة هذه اللحظة. فالاستجابة المناخية التي تركز على الصحة أمراً بالغ الأهمية. 

المؤلفون

الدكتور تيدروس أدحانوم غيبريسوس

المدير العام
منظمة الصحة العالمية

الدكتور سلطان أحمد الجابر

الرئيس المعين لمؤتمر الأطراف في اتفاق الأمم المتحدة الإطاري بشأن تغير المناخ (COP28)
مؤتمر الأمم المتحدة بشأن تغير المناخ

الدكتورة فانيسا كيري

المبعوثة الخاصة لمنظمة الصحة العالمية المعنية بتغير المناخ والصحة
المديرة التنفيذية لمنظمة "سيد غلوبال هيلث"

النشرات الإخبارية

صحيفة وقائع