إنجازات الصحة العالمية 2023

إنجازات الصحة العالمية 2023

موجبات الأمل

لقد احتفلنا في عام 2023 بمرور 75 عاماً على إنشاء منظمة الصحة العالمية (المنظمة). وكان عاماً للتفكير في 75 عاما من الإنجازات في مجال الصحة العالمية، في مواجهة التحديات المتعددة والمعقدة التي تؤثر اليوم على صحتنا.

وكانت هذه الذكرى السنوية التي تشكل علامة بارزة عاملاً قوياً لتذكيرنا بالكيفية التي مكننا بها العمل معاً في ظل التضامن العالمي من الارتقاء إلى مستوى التحديات المعقدة التي واجهتنا في الماضي، وسنواصل هذه المسيرة في المستقبل.

العمل معاً تحقيقاً للصحة للجميع 

على الرغم من الأزمات المتعددة المتصلة بالصحة، شهد عام 2023 العديد من موجبات الأمل.

فعلى الرغم من مواجهة أعداد قياسية من التحديات الصحية المتصلة بالمناخ، والأزمات الناجمة عن النزاعات الجديدة والآخذة في التوسع، واصل الملايين من العاملين في مجالي الصحة والرعاية مساعيهم لحماية المزيد من الناس من المرض والمعاناة، ولبناء القدرة على الصمود والتأهب في عالم يزداد اضطراباً، ولتحقيق هدف مشترك يتمثل في منح الجميع في كل مكان أفضل فرصة ممكنة للتمتع بحياة آمنة وصحية.

وفيما يلي بعض المحطات البارزة في مجال الصحة العالمية التي أشاعت الأمل في عام 2023.

 

القضاء على الأمراض


كان عام 2023 عام الأرقام القياسية في مجال القضاء على الأمراض، حيث تمكنت عدة بلدان من القضاء على أمراض معدية بفضل تفانيها في بذل الجهود الوطنية، والعمل التعاوني الذي اضطلعت به البلدان والشركاء في مجال الصحة في جميع أنحاء العالم.

ففي آذار/مارس، أشهدت المنظمة على خلو أذربيجان وطاجيكستان من الملاريا، تلتهما بليز في حزيران/يونيو. والملاريا تؤثر على بعض من أشد الناس ضعفا في العالم، وتظهر هذه الإنجازات الاستثنائية كيف يمكن لمستقبل خال من الملاريا أن يصبح حقيقة واقعة.

وأصبحت مصر أول دولة في العالم تبلغ مركز "المستوى الذهبي" على مسار القضاء على التهاب الكبد C، محققة علامة بارزة مهمة نحو الهدف المتمثل في تحقيق القضاء التام على المرض قبل عام 2030. ويشكل هذا تحولا مذهلا لبلد كان لديه واحد من أعلى معدلات العدوى بالتهاب الكبد C في العالم قبل أقل من 10 سنوات.

وحتى اليوم، تخلص 50 بلدا من مرض واحد على الأقل من أمراض المناطق المدارية المهملة، بما يتماشى مع هدف المنظمة الطموح المتمثل في تحقيق 100 بلد لهذا الإنجاز بحلول عام 2030.

وفي كانون الثاني/ يناير، قضت غانا على داء المثقبيات الأفريقي البشري الغامبي، وهو مرض من أمراض النوم يهدد الحياة وينتقل عن طريق ذبابة تسي تسي مسبباً ضرراً بالغاً لسكان الريف الذين يعيشون في فقر في أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى.

وفي أيار/ مايو، قضت بنن ومالي على التراخوما، وهي السبب الرئيسي للعدوى بالعمى في العالم. وهذان هما خامس وسادس بلدين في أفريقيا يحققان هذا الإنجاز الهام، وانضم إليهما العراق من إقليم شرق المتوسط في تموز/ يوليه.

ونجحت بنغلاديش وجمهورية لاو الديمقراطية الشعبية في القضاء على داء الفيلاريات اللمفي باعتباره شاغلا من شواغل الصحة العامة. وداء الفيلاريات اللمفاوي، المعروف بداء الفيل، هو مرض طفيلي موهن ينتقل عن طريق البعوض.

ودخلت بنغلاديش التاريخ كأول بلد يقضي على اثنين من أمراض المناطق المدارية المهملة في نفس العام. وفي إنجاز تاريخي، أصبحت بنغلاديش أيضا أول بلد في العالم يجري التحقق رسميا من قضائه على الكالازار. والكالازار (داء الليشمانيات الحشوي) هو مرض مهدد للحياة ينتقل عن طريق ذبابة الرمل ويمكن أن يكون قاتلا إذا ما ترك دون علاج في أكثر من 95 ٪ من الحالات.

تسليم اللقاحات

في 5 أيار/ مايو 2023، أعلن المدير العام للمنظمة، الدكتور تيدروس أدحانوم غيبريسوس، نهاية جائحة كوفيد-19 كطارئة من طوارئ الصحة العالمية. وشدد على أن هذا الإعلان لا يعني أن كوفيد-19 لم يعد يشكل تهديدا للصحة العالمية، بل إن الوقت قد حان لكي تنتقل البلدان من حالة الطوارئ إلى وضع تدير فيه كوفيد-19 مثله مثل سائر الأمراض المعدية.

وأقر المدير العام في إعلانه بقدرة الباحثين ومطوري اللقاحات على الابتكار، والقرارات الصعبة التي اضطرت الحكومات إلى اتخاذها، والمهارة المذهلة للعاملين في مجالي الصحة والرعاية وتفانيهم. وحتى تشرين الثاني/ نوفمبر 2023، تلقى 72٪ من الناس في جميع أنحاء العالم جرعة واحدة على الأقل من لقاح كوفيد-19، مع إعطاء 13,6 مليار جرعة في جميع أنحاء العالم منعت من إصابة ملايين الأشخاص بالمرض الوخيم ومن دخولهم المستشفى.

ولقد بدأنا نرى علامات واعدة على التعافي في مستويات تمنيع الأطفال بعد التراجع الذي حدث خلال جائحة كوفيد-19. ففي وقت سابق من هذا العام، أعلن شركاء عالميون عن "حملة الاستدراك الواسعة": وهي جهد منسق لعكس مسار التراجع في تطعيم الأطفال، وتعزيز النظم الصحية، والعمل من أجل مستقبل لا يموت فيه أي طفل بسبب مرض يمكن الوقاية منه باللقاحات.

ومن المعالم الهامة الأخرى خلال العام توصية المنظمة بلقاح جديد للوقاية من الملاريا يبعث الأمل في تعزيز الوقاية من الملاريا وإنقاذ مئات الآلاف من أرواح الشباب في الإقليم الأفريقي. ويوجد الآن لقاحان منقذان للحياة ثبت أنهما مأمونان وفعالان في الوقاية من الملاريا لدى الأطفال.

وبالإضافة إلى ذلك، أوصي باعتماد لقاح جديد ضد حمى الضنك في البيئات التي تعاني من ارتفاع عبء المرض. ويشيع اللقاح الجديد الأمل في مواجهة العدوى التي ينقلها البعوض، والتي يقدر أن نصف سكان العالم معرضون لخطر الإصابة بها.

وفي الوقت نفسه، كانت هناك أخبار واعدة في مجال مكافحة التهاب السحايا، حيث قامت المنظمة باختبار مسبق لصلاحية لقاح مقترن مستجد ضد المكورات السحائية، وأصدرت سياسة لاستخدامه في بلدان حزام التهاب السحايا الأفريقي التي تتأثر بالأوبئة الموسمية. ويمتاز هذا اللقاح الخماسي المقترن (Men5CV) بالقدرة على تغيير مكافحة التهاب السحايا تغييرا جذريا، حيث من المتوقع أن يكون ميسور التكلفة ومتاحا للبلدان في حزام التهاب السحايا أكثر من اللقاحات الأخرى المتاحة.

ولا تزال النساء الفقيرات والمهمشات يتضررن على نحو غير متناسب من سرطان عنق الرحم، ولكن هناك ما يدعو إلى التفاؤل مع إحراز تقدم قوي في التطعيم ضد فيروس الورم الحليمي البشري. ومما يبعث على التشجيع البالغ التقدم المحرز في نطاق تغطية التوصية المتعلقة بالجرعة الواحدة التي أقرتها المنظمة. وقد اعتمد اللقاح 30 بلداً آخر ، بما في ذلك بعض البلدان التي تعاني من مستويات عالية من سرطان عنق الرحم مثل بنغلاديش وإندونيسيا ونيجيريا. وبذلك يصل إلى 140 بلدا العدد الإجمالي العالمي للبلدان التي تسير على الطريق السليم لبلوغ هدف عام 2030 المتمثل في ضمان توافر لقاحات فيروس الورم الحليمي البشري على نطاق واسع لجميع الفتيات في جميع أنحاء العالم.

 

الوقاية من الطوارئ والتصدي لها


بدأ العام باستجابة المنظمة لزلزال هائل في تركيا وسورية، وها هو ينتهي بالحرب المروعة الدائرة في غزة. وشهد العالم بينهما العديد من الأزمات والنزاعات الأخرى، والتهديد المستمر بظهور فاشيات الأمراض وتغير المناخ.

وفي كل يوم، تقوم أفرقة من خبراء المنظمة على مدار النهار والليل بفحص آلاف المعلومات، بما في ذلك المقالات الإعلامية وتقارير ترصد الأمراض، بحثا عن إشارات عن اندلاع فاشيات الأمراض أو غيرها من تهديدات الصحة العامة. وفي عام 2023، حددت الأفرقة، في المقر الرئيسي وحده، نحو 750 إشارة للتحليل والمناقشة المتعمقة، وطلبت من البلدان تقديم مزيد من المعلومات، وأبلغت الحكومات والشركاء الذين يتعين عليهم الانضمام إلى الاستجابة. وهذه هي إحدى الطرق التي تتبعها المنظمة لرصد وتحفيز العمل على الحد من تهديدات الصحة العامة، من أجل الحفاظ على سلامة الجميع. 

وفي هذا العام، استجابت المنظمة لـ65 طارئة، بما فيها 22 طارئة جديدة.

وكان العديد من هذه الاستجابات مرتبطا بالنزاعات، حيث شهدت بلدان مثل جمهورية الكونغو الديمقراطية وإثيوبيا وهايتي وميانمار والسودان وأوكرانيا وغيرها تفاقما للنزاعات وانعدام الأمن. وفي هذه البلدان، حشدت المنظمة قواها للوقاية من فاشيات الأمراض المعدية وكشفها والاستجابة لها؛ وتعزيز إتاحة الخدمات الصحية الأساسية، بما في ذلك قدرة المستشفيات على القيام بكل شيء من ولادة الأطفال الجدد إلى علاج جرحى الحرب؛ ودربت العاملين في مجالي الرعاية الصحية؛ وورّدت الأدوية الأساسية والإمدادات الطبية؛ وعملت على تمكين القدرات المختبرية من تشخيص الأمراض، بل وعلى تعزيز هذه القدرات حيثما أمكن. وفي بعض الأحيان، ذهب موظفو المنظمة إلى ما هو أبعد من ذلك، مخاطرين بحياتهم لتقديم الرعاية الصحية جنبا إلى جنب مع شركائنا عبر النظام الإنساني.

A tiny baby being gently picked up from a makeshift bed in a hospital by a man in a helmet and bullet-proof vest marked “UN”
WHO
A WHO-led joint UN mission has evacuated more than 31 babies from the Al-Shifa Hospital in northern Gaza to a facility in the south, 19 November 2023
© الصورة

وكانت المنظمة موجودة أيضا في الميدان متى وقعت الكوارث. وقد كان لعام 2023 نصيبه منها: الزلازل في أفغانستان ونيبال وسوريا وتركيا؛ والفيضانات المدمرة في ليبيا وباكستان وجنوب السودان؛ وموجات الحر وحرائق الغابات والجفاف وأكثر من ذلك. ومن بين ما فعلته المنظمة: نشر أفرقة الطوارئ الطبية، وإرسال المعونة الطبية الطارئة، ومساعدة البلدان على مواجهة الآثار الصحية المتوسطة والطويلة الأجل المترتبة على هذه الكوارث.

وتولت المنظمة، بوصفها الوكالة الرائدة للمجموعات الصحية التي عينتها اللجنة الدائمة المشتركة بين الوكالات، تنسيق المساعدة الصحية المقدمة من 900 شريك لتلبية احتياجات 107 ملايين شخص متضرر من الأزمات في 29 بلدا.

وفي كل يوم، في مكان ما من العالم، تنتقل فرقة تابعة للمنظمة للتحري عن فاشية ما إلى جانب خبراء وزارة الصحة والعاملين الصحيين من المجتمعات المحلية، حيث يتم الكشف عن الفاشيات الصحية لأول مرة والسيطرة عليها لأول مرة. وقد شهد هذا العام عودة قياسية للعديد من الأمراض المعدية، كالجمرة الخبيثة وداء الشيكونغونيا والكوليرا وحمى القرم والكونغو النزفية وحمى الضنك والخناق والإنفلونزا والفيروس المخلوي التنفسي، استلزمت استجابة إقليمية وعالمية منسقة. وشملت الفاشيات الأخرى حمى لاسا في نيجيريا ومرض الإيبولا في أوغندا، فضلا عن مرض فيروس ماربورغ في غينيا الاستوائية وجمهورية تنزانيا المتحدة. ودعمت المنظمة نقل العينات، والفحوص المختبرية في البلدان على الصعيدين المركزي والمحلي، وإنشاء قدرات وطنية لتحديد المتواليات الجينومية. كما ساعدت المنظمة الحكومات على تحري الحالات، وتتبع مخالطي المرضى، وإنشاء مستشفيات ميدانية وغير ذلك لاحتواء الفاشيات وإنقاذ الأرواح.

وتعرضت الرعاية الصحية أيضاً للاعتداء. وقد وثقت المنظمة في هذا العام وحده أكثر من 1200 اعتداء على الرعاية الصحية، أثرت على العمال والمرضى والمستشفيات والعيادات وسيارات الإسعاف في 19 بلدا وإقليما، مما أسفر عن مقتل أكثر من 700 شخص وإصابة ما يقرب من 1200 آخرين.

وفي خضم كل الأزمات، كانت هناك أيضا أنباء إيجابية في هذا العام. ففي أيار/ مايو، وعقب انعقاد لجان الطوارئ ذات الصلة، أعلن المدير العام للمنظمة نهاية طارئتين من طوارئ الصحة العامة تثيران قلقا دوليا، هما: كوفيد-19 وجدري القردة، بينما ذكر أيضا أن التهديدات الناجمة عن كليهما لم تنته بعد.

ويفصّل إطار المنظمة للتأهب والاستجابة للطوارئ الصحية والقدرة على الصمود أمامها، الذي يجري إعداده مع الدول الأعضاء والشركاء، مسائل الحوكمة والتمويل والنظم والأدوات والاحتياجات من القوى العاملة لحماية العالم من الطوارئ الصحية. ويحدد نهجا شاملا إزاء جميع المخاطر لبناء القدرات الرئيسية عبر دورة الطوارئ واستخدام نهج الصحة الواحدة. وتشمل هذه القدرات الترصد التعاوني، وحماية المجتمع، والرعاية السريرية المأمونة والقابلة للتوسّع، وإتاحة التدابير المضادة وتنسيق الطوارئ، مدعومة بقوة عاملة ماهرة ويسهل نشرها، فضلا عن البحوث والابتكارات الحاسمة الأهمية والجيدة الإدارة والمنسقة والشاملة.

وقد نُقح إطار المنظمة للاستجابة للطوارئ باستخدام الدروس المستفادة من الاستجابات الأخيرة للطوارئ الصحية، وتواصل المنظمة دعم تقييم التأهب الوطني والإقليمي وتعزيزه واختباره بانتظام، بوسائل منها مبادرات مثل فريق الاستجابة لطوارئ الصحة العالمية، وشبكة مراكز عمليات الطوارئ الصحية العامة، ومركز الإمدادات اللوجستية العالمي للمنظمة في دبي، وصندوق مكافحة الجوائح، والاستعراضات الشاملة للصحة والتأهب، والآلية المؤقتة لتنسيق التدابير الطبية المضادة.

وتعكف المنظمة على تعزيز التعاون العالمي، من خلال مكاتبها ومراكزها الإقليمية، ووحدتي معلومات الصحة العامة والتحليلات في جنيف، ومكتب منشأ منذ فترة طويلة في ليون للترصد المختبري، ومركز جديد في برلين للمساعدة على الابتكار في مجال الترصد التعاوني، من أجل تسريع وتحسين الحصول على المعلومات عن تهديدات الطوارئ الصحية بهدف تحسين عملية صنع القرار ودفع العمليات الصحية.

ومع استمرار خطر كوفيد-19، والتهديد الذي يلوح في الأفق بحدوث جائحة أنفلونزا، تواصل المنظمة توسيع شبكاتها لتتبع المُمرضات التنفسية التي يمكن أن تتحول إلى جوائح، باستخدام شبكتها العالمية لترصد الأنفلونزا والاستجابة لها وشبكة مرض فيروس كورونا لرصد تطور هذه المُمرضات، وإجراء تقييمات للمخاطر، والتأهب لتطوير لقاح محتمل عند الحاجة.

وتلتزم المنظمة، في جميع أعمالها، بالاستفادة من المكاسب التي تحققت أثناء جائحة كوفيد-19 لدعم الدول الأعضاء في مواجهة التهديدات الحالية والمقبلة وإدارتها بنجاح.

وضع الصحة في صميم العمل المناخي

في سابقة تاريخية، استضاف منظمو الدورة الثامنة والعشرين لمؤتمر الأطراف في اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ يوما مكرساً للصحة استجابة للأزمة الصحية المتصلة بالمناخ التي تؤثر على ما لا يقل عن 3,5 مليار شخص، أي ما يقرب من نصف سكان العالم. فقد تسببت الحرارة الشديدة والظواهر الجوية وتلوث الهواء في ملايين الوفيات في عام 2023، مما فرض ضغوطا هائلة على النظم الصحية والقوى العاملة.

ووقّع أكثر من 130 دولة في مؤتمر الأمم المتحدة بشأن المناخ على إعلان جديد للإمارات العربية المتحدة بشأن المناخ والصحة في الدورة الثامنة والعشرين لمؤتمر الأطراف. ويدعو الإعلان إلى إحداث زيادة سريعة في الالتزامات السياسية والمالية، واتخاذ إجراءات ملموسة لحماية الناس من الآثار الصحية المدمرة لأزمة المناخ.

وفي الفترة التي سبقت الدورة الثامنة والعشرين لمؤتمر الأطراف، حشدت المنظمة، جنبا إلى جنب مع الشركاء في مجال الصحة العالمية، توقيعات لأكثر من 40 مليون من المهنيين الصحيين الذين دعوا إلى اتخاذ إجراءات جريئة في مجال الصحة والعمل المناخي أثناء المؤتمر. كما أصدرت المنظمة إطارا تشغيليا لبناء نظم صحية قادرة على تحمل تغير المناخ ومنخفضة الكربون، كمخطط لتحوط قطاع الصحة في المستقبل واستدامته في ظل التغير الدائم للمناخ.

 

حماية الناس من الأمراض غير السارية واضطرابات الصحة النفسية

أعلنت المنظمة خلال هذه السنة أن 5,6 مليارات شخص، أي 71٪ من سكان العالم، أصبحوا يتمتعون بالحماية من خلال سياسة واحدة على الأقل من سياسات المنظمة المستمدة من أفضل الممارسات للمساعدة في إنقاذ الأرواح من التبغ. وفي هذا زيادة قدرها خمسة أمثال ما كان عليه الأمر في عام 2007. فخلال 15 عاما انقضت منذ طرح تدابير حزمة السياسات الست "MPOWER" (بالإنكليزية) التي اعتمدتها المنظمة لمكافحة التبغ على الصعيد العالمي، انخفضت معدلات التدخين وأصبحت لدى ما يقرب من 40٪ من البلدان أماكن عامة داخلية خالية من التدخين.

وفي هذا العام، أصبحت موريشيوس أول بلد في أفريقيا، وهولندا أول بلد في أوروبا يضعان الحزمة الكاملة من سياسات المنظمة بشأن مكافحة التبغ على أعلى مستوى ممكن في البلد، وانضما بذلك إلى بلدين آخرين فقط، هما البرازيل وتركيا، حققا الهدف نفسه.

وفي سابقة أخرى، أصدرت المنظمة أول تقرير لها عن الأثر العالمي الفادح لارتفاع ضغط الدم: إذ يؤثر هذا الاعتلال على 1 من كل 3 بالغين. وأشار التقرير إلى أن ما يقرب من 4 من كل 5 أشخاص مصابين بارتفاع ضغط الدم لا يتلقون علاجا كافيا، ولكن إذا تمكنت البلدان من توسيع نطاق التغطية، فسيتسنى تجنب 76 مليون حالة وفاة بين عامي 2023 و2050.

وفي الواقع، أصبحت البلدان في جميع أنحاء العالم توسع جهودها للفوز في السباق الرامي إلى مكافحة هذا القاتل الصامت. فأطلقت الهند مبادرة طموحة لفحص 75 مليون شخص يعانون من ارتفاع ضغط الدم أو داء السكري ووضعهم في الرعاية المعيارية بحلول عام 2025، وتعكف الفلبين على توسيع نطاق برامجها الرامية إلى الوقاية من أمراض القلب والأوعية الدموية وتوفير التدبير العلاجي لها، وفي إقليم الأمريكتين التابع للمنظمة، أقدم 33 بلدا على توسيع نطاق تقديم الخدمات الصحية للوقاية من أمراض القلب والأوعية الدموية ومكافحتها.

وساعدت مبادرة المنظمة الخاصة بشأن الصحة النفسية (بالإنكليزية) منذ إنشائها في عام 2019 على توفير خدمات الصحة النفسية المجتمعية إلى 50 مليون شخص إضافي، حيث تلقى ما لا يقل عن 000 320 من الفتيات والفتيان والنساء والرجال خدمات لمعالجة حالات نفسية وعصبية وحالات تعاطي مواد الإدمان لأول مرة. ويجري تنفيذ هذه المبادرة الخاصة في أقاليم المنظمة الست كلها، في الأرجنتين وبنغلاديش وغانا والأردن ونيبال وباراغواي والفلبين وأوكرانيا وزمبابوي.

الحد من الوفيات الناجمة عن الحوادث والإصابات


يبين تقرير المنظمة العالمي الجديد عن حالة السلامة على الطرق لعام 2023 (بالإنكليزية) أن عدد الوفيات السنوية الناجمة عن المرور على الطرق انخفض منذ عام 2010 بنسبة 5٪ ليصل إلى 1,19 مليون حالة.

وأبلغت 108 بلدان من بين الدول الأعضاء في الأمم المتحدة عن انخفاض في الوفيات المرتبطة بالمرور على الطرق بين عامي 2010 و2021. ونجحت عشرة بلدان في خفض الوفيات الناجمة عن المرور على الطرق بنسبة تتجاوز 50٪.

ومع ذلك، لا يزال هناك المزيد من العمل الذي يتعين القيام به. فحوادث المرور على الطرق تقتل أكثر من شخصين في الدقيقة الواحدة. ويواجه المشاة وراكبو الدراجات وغيرهم من مستخدمي الطرق الضعفاء خطرا حادا ومتزايدا بالوفاة، حيث تقع تسع من كل عشر وفيات في البلدان المنخفضة والمتوسطة الدخل.

وفي أيار/ مايو، اعتمدت جمعية الصحة العالمية السادسة والسبعون أول قرار لها بشأن الوقاية من الغرق. وعلى الصعيد العالمي، يلقى ما يقدر بنحو 000 236 شخص حتفهم بسبب الغرق كل عام، مع تسجيل أعلى المعدلات بين الأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين سنة واحدة و4 سنوات. ويطلب القرار إلى جميع الدول الأعضاء البالغ عددها 194 دولة تقييم الوضع فيما يتعلق بالغرق في بلدانها، وتنفيذ التدابير المناسبة لمنع الغرق وإنقاذ الأرواح.

النهوض بالصحة الجنسية والإنجابية


احتفلنا هذا العام بمرور 50 عاما على برنامج الإنجاب البشري، وهو مبادرة خاصة أطلقتها الأمم المتحدة لمناصرة رؤية للصحة والحقوق الجنسية والإنجابية للجميع في العالم أجمع.

وقد كانت لهذه المبادرة الفريدة الريادة في تحقيق إنجازات تاريخية تتعلق بالبحوث المتعلقة بالصحة الجنسية والإنجابية، مما مكن من زيادة إتاحة وسائل منع الحمل (بما فيها الوسائل العاجلة لمنع الحمل)، والرعاية في مجال تحسين الخصوبة والإجهاض المأمون.

أما البرنامج الخاص للبحث والتطوير فيطرح ابتكارات بالغة الأهمية من أجل الحمل والولادة الأكثر مأمونية. وكشفت تجربة أجريت هذا العام عن وعد مهم بالحد من وفيات الأمهات بسبب النزيف بعد الولادة، وهو السبب الرئيسي في العالم لوفيات الأمهات. وعلاوة على ذلك، أُطلقت أول خريطة طريق عالمية للتصدي للنزيف بعد الولادة في تشرين الأول/ أكتوبر 2023.

وأُحرز أيضا تقدم أقوى نحو القضاء على سرطان عنق الرحم، حيث تظهر الأرقام أن أستراليا تسير في المسار السليم لتحقيق القضاء عليه في غضون السنوات العشر المقبلة، وتعهدت دائرة الصحة الوطنية في إنجلترا بالقضاء على سرطان عنق الرحم بحلول عام 2040.

وأحرز تقدم أيضا في مجال الفحص: فقد اختبرت المنظمة مسبقا صلاحية اختبار فيروس الورم الحليمي البشري الرابع في حزيران/ يونيه 2023، مما يمنح البلدان خيارا إضافيا يتمثل في تنفيذ طرق فحص متقدمة أكثر فعالية لتحديد المرضى الذين يحتاجون إلى العلاج.

إتاحة الأدوية والمنتجات الصحية

كانت جمهورية كوريا وسنغافورة وسويسرا في هذا العام أول ثلاثة بلدان تُسجل كسلطات مدرجة في قائمة المنظمة التي تقدم اعترافا عالميا بأن السلطات التنظيمية تستوفي المعايير والممارسات التنظيمية للمنظمة وغيرها من المعايير والممارسات التنظيمية المعترف بها دوليا.

وحُدثت قائمة المنظمة للأدوية الأساسية في عام 2023 بإدراجات جديدة لعلاج التصلب المتعدد والسرطان، وغيرهما. وستسهل القائمة المحدثة زيادة إتاحة الأدوية والعلاجات المبتكرة التي يمكنها أن تحدث تأثيرا كبيرا جدا على الصحة العامة على الصعيد العالمي، دون تعريض ميزانيات الصحة في البلدان المنخفضة والمتوسطة الدخل للخطر.

وفي الوقت نفسه، حُدثت قائمة وسائل التشخيص الأساسية بإضافة ـثمانية إدراجات جديدة، شملت وسائل التشخيص للرعاية الذاتية لداء السكري. وكانت الأجهزة الشخصية لقياس السكر في الدم من بين الإضافات، إلى جانب اختبارات التهاب الكبد E.

وحدث أيضا تقدم واعد في دعم الدول الأعضاء في إدارة الأدوية المتدنية النوعية والملوثة. وسيساعد نشر طريقة اختبار المنظمة للملوثات التي تظهر في أدوية الشراب على مكافحة المنتجات الصحية المتدنية النوعية التي أفضت إلى وفاة ما لا يقل عن 300 طفل في العالم.

الالتزامات السياسية في مجال الصحة

اعتمدت البلدان في جمعية الصحة العالمية هذا العام (الجمعية السادسة والسبعون) قرارا تاريخيا بشأن صحة الشعوب الأصلية يدعو إلى وضع خطة عمل عالمية لمعالجة التفاوتات الصحية التي تواجهها مجتمعاتها على وجه التحديد لأول مرة.

وفي حزيران/ يونيو، اعتمد الوزراء وممثلو الحكومات إعلانا سياسيا رائدا، هو إعلان الرباط، يلزم بتحسين صحة اللاجئين والمهاجرين. إذ إن واحدا من كل 8 أشخاص في العالم هو إما مهاجر أو نازح نزوحا قسريا بسبب عوامل تشمل النزاعات والاضطهاد.

وبعد شهرين، أي في آب/ أغسطس، عقدت المنظمة وشركاؤها مؤتمر القمة العالمي الأول للطب التقليدي للمنظمة بهدف تسخير إمكانات الطب التقليدي والتكميلي والتكاملي المُسند بالبيّنات.

وفي منتصف الطريق المؤدي إلى الموعد المستهدف لتحقيق أهداف التنمية المستدامة لعام 2030، أشار قادة العالم إلى الحاجة إلى مضاعفة وتيرة التقدم دعماً للأهداف الصحية.

وفي أيلول/ سبتمبر، استضافت الجمعية العامة للأمم المتحدة ثلاثة اجتماعات رفيعة المستوى بشأن الصحة، وهو أعلى رقم على الإطلاق. وهنا، التزم قادة العالم التزاما تاريخيا بتخصيص مزيد من التعاون والحوكمة والاستثمار للوقاية من الجوائح في المستقبل والتأهب والاستجابة لها.

وفي أثناء الاجتماعات الرفيعة المستوى، تم الاتفاق على إعلان سياسي جديد بشأن التغطية الصحية الشاملة لحشد الإجراءات لتحقيق الغاية المستهدفة في عام 2030 والمتمثلة في حصول الجميع على خدمات الرعاية الصحية الأساسية الجيدة باستخدام نهج الرعاية الصحية الأولية. كما تم التوقيع على إعلان سياسي جديد بشأن القضاء على السل، مع تحديد غايات جديدة طموحة للسنوات الخمس المقبلة لتعزيز الجهود العالمية المبذولة للقضاء على وباء السل. 

 

اعتماد آفاق جديدة بفضل الصحة الرقمية


مع استمرار تنامي تأثير تكنولوجيات الذكاء الاصطناعي الناشئة، تعمل المنظمة على ضمان مأمونية الذكاء الاصطناعي وفعاليته في مجال الصحة. ففي تشرين الأول/ أكتوبر، نُشرت إرشادات جديدة تسرد الاعتبارات التنظيمية الرئيسية بشأن الذكاء الاصطناعي في مجال الصحة. وتشمل الوثيقة تسخير إمكانات الذكاء الاصطناعي لعلاج أو اكتشاف حالات مثل السرطان أو السل، مع خفض المخاطر من قبيل جمع البيانات بأساليب غير أخلاقية، وتهديدات الأمن السيبراني، وتضخيم التحيزات أو المعلومات المضللة.

وأعلنت المنظمة ورئاسة الهند لمجموعة العشرين عن مبادرة عالمية جديدة بشأن الصحة الرقمية (بالإنكليزية) في قمة مجموعة العشرين التي استضافتها حكومة الهند. وستعمل المبادرة الجديدة كشبكة ومنصة تديرها المنظمة لدعم تنفيذ الاستراتيجية العالمية بشأن الصحة الرقمية 2020-2025.

وأعلنت المنظمة أيضاً عن شراكة تاريخية في مجال الصحة الرقمية مع المفوضية الأوروبية، استنادا إلى نظام الاتحاد الأوروبي للإشهاد الرقمي بشأن كوفيد-19. وهذه هي اللبنة الأولى في شبكة المنظمة العالمية للإشهاد الصحي الرقمي (بالإنكليزية) لتطوير مجموعة واسعة من المنتجات الرقمية من أجل توفير مستوى أفضل من الصحة للجميع.

سبل المضي قدماً: 2024


سنتخذ في عام 2024 خطوات إضافية نحو عالم يتمتع بمستوى أكبر من الصحة والأمان والعدل.

وسنحتفل بالذكرى السنوية الخمسين للبرنامج الموسع للتمنيع، وهو مبادرة لتوفير إتاحة شاملة للقاحات المنقذة للحياة للأطفال في جميع أنحاء العالم. فاللقاحات هي واحدة من أكبر إنجازات البشرية، حيث أنقذت أرواحا لا حصر لها. بيد أن التغطية بلقاحات الأطفال توقفت في السنوات الأخيرة. وستتيح هذه الذكرى السنوية فرصة أمام صانعي القرار لإعادة ترتيب أولوية اللقاحات بوصفها حجر الزاوية المنقذ للحياة في مجال الصحة العامة.

وفي جمعية الصحة العالمية السابعة والسبعين في أيار/ مايو 2024، ستنظر البلدان في اتفاق دولي جديد يعرف باسم اتفاق مكافحة الجوائح (بالإنكليزية). والغرض من الاتفاق هو منع تكرار الآثار الصحية والاجتماعية المدمرة التي شوهدت نتيجة لكوفيد-19 في حالة حدوث جائحة في المستقبل.

وفي أيلول/ سبتمبر 2024، سيعقد اجتماع رفيع المستوى للجمعية العامة للأمم المتحدة بشأن مقاومة مضادات الميكروبات، وهي واحدة من أكبر التهديدات العالمية للصحة العامة. وتجعل مقاومة مضادات الميكروبات علاج العدوى أكثر صعوبة وتزيد من خطر الإصابة بأمراض وخيمة والوفاة. وسيجري حث البلدان على تقديم التزامات جريئة للتصدي لهذا التهديد، وتسريع العمل، والسعي إلى تحقيق الغايات المتفق عليها دوليا.

وستكافح لجنة المنظمة المعنية بالتواصل الاجتماعي المنشأة حديثا الشعور بالوحدة والعزلة الاجتماعية باعتبارهما تهديدا صحيا ملحا. إذ تترتب على ارتفاع معدلات العزلة الاجتماعية والشعور بالوحدة عواقب صحية خطيرة، مع زيادة خطر الإصابة بالسكتة الدماغية والقلق والخرف والاكتئاب والانتحار. وستعمل اللجنة على رفع مستوى التواصل الاجتماعي كأولوية والتعجيل بتوسيع نطاق الحلول في البلدان من جميع فئات الدخل.

والنقاط البارزة المذكورة أعلاه هي شهادة على التعاون الوثيق بين الدول الأعضاء للوفاء بالوعود. وسوف تنظر جمعية الصحة العالمية في عام 2024 في مسودة برنامج العمل العام الرابع عشر للمنظمة. وستوفر هذه الوثيقة الأساسية استراتيجية عملنا خلال السنوات الخمس المقبلة وخريطة طريق هذا العمل. وسيستمر عملنا لضمان تمويل المنظمة على نحو مستدام، لكي نتمكن من معالجة القضايا الصحية المتعددة والمعقدة التي تواجه عالمنا اليوم.